|
من غرائب مجتمعنا الإنساني أننا ننظر إلى هؤلاء المتشككين في الناس، هؤلاء الذين يرون أن الآخرين لا يفعلون أبدًا أي معروف دون النظر إلى ما سيعود عليهم بمنافع شخصية، هؤلاء الذين يسيئون الظن في كل شيء، الذين يعترضون ويعارضون، الذين يثيرون المخاوف والشكوك، والذين يتوقعون دائمًا أن الأسوأ ممكن الحدوث، بأنهم هم وحدهم الحكماء العارفون ببواطن الأمور.
ننظر إلى هذه الفئة المتشككة المتشائمة التي ترى أسوأ وأحط الدوافع الإنسانية أنها الفئة التي تمتلك القدرة العميقة على الرؤية والفهم، وتوقع الأشياء التي يمكن أن تصبح أخطارًا تواجهنا أو أضرارًا تدمرنا.
وعلى العكس من ذلك، ننظر إلى المتفائلين من أمثالي، الذين يُحسنون الظن بالجميع، ويتوقعون الخير من الجميع، ويتفاءلون دائمًا بالحياة، بأنهم أقل حكمة، أو أكثر سذاجة.
التشكك دائما يأتي بنتائج غير إيجابية إلى حياة الإنسان، فقديمًا قالوا: «إذا بحثت عن الثعبان فإنك حتمًا ستجده في النهاية».
بينما التفاؤل وحسن الطوية هما الطريق نحو حياة مُحاطة بالخير، ألم تلاحظي أن هؤلاء المتفائلات الطيبات دائمًا ما يجدن في أحداث حياتهن ما يؤكد صحة الطريق الذي سلكنه، وتستمر الحياة معهن على نفس المنوال؟ إنهن دائما يتوقعن أن كل الأمور ستنتهي إلى نتيجة طيبة، وينظرن إلى الكون على أنه مكان مخلوق من أجل أن يرحب بهن، ويحسن ضيافتهن.
التفاؤل هو سلوك يجعلك تفسرين الحياة بأفضل طريقة ممكنة، ويعينك على أن تؤمني إيمانًا عميقًا بأن أفضل الخيارات ممكن الحدوث، بل إن أفضل الخيارات هو المتوقع حدوثه على أغلب التوقعات، التفاؤل مرتبط بالإيمان بأن الله معنا، وأنه قد اختار لنا الخير وقدَّره لنا، وأننا فقط نحتاج أن نصبر قليلاً جدًّا حتى يظهر الخير الكبير الذي قدَّره لنا الله سبحانه وتعالى.
التفاؤل لا يعني أبدًا أن الحياة خالية من الشدائد أو الصعوبات، ولا يعني أبدًا أنك ستفوز دائمًا، أو تحصل في كل مرة على ما تستحق، فكل إنسان يواجه تحديات صغيرة وكبيرة في هذه الحياة، ولكن التفاؤل هو الأمل الدائم في التحسن والتقدم، والتفاؤل هو التأكد بأن الطريق إلى السعادة موجود، فقط ينتظر أن نسلكه لنصل إليها.
الصعوبات والشدائد مؤلمة، والتفاؤل لا يعني التظاهر بعدم التألم، ولا يعني التظاهر بعدم الخوف، فالإنسان المتفائل إنسان أمين في مشاعره، يعيشها بصدق، ولا يتظاهر بغيرها، وهو مع ذلك يؤمن إيمانًا راسخًا بأن في كل مرة يصيبه عسر سرعان ما يأتي اليسر من الله، وصدق الله إذْ يقول: {فإن مع العسر يسرًا، إن مع العسر يسرًا}.
كيف ومتى تتحول الشدائد والأحزان إلى أفراح وإلى نجاحات؟ قد تراها وتدركها بعض العقول، وقد تعجز أخرى عن التوصل إليها، وليس هذا التفاوت في الحكمة أو الذكاء هو المهم، إنما المهم هو الإيمان بأن الله لطيف بعباده، وأن عنايته تحوطهم، وأنه لم يقدر لهم سوى الخير، هو الذي قال: {فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا}.
وقد أوتي الرسول صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، فقد عبر عن كل ما قلت بثلاث كلمات: «تفاءلوا بالخير تجدوه».