الأطفال يحبون طرح الأسئلة، وواجبنا كأمهات وحيدات أن نستقبل أسئلتهم برحابة صدر دائما، أحيانا نقفز إلى كلمات لنؤكد أو نطمئن، وأحيانا ننهال عليهم بمعلومات أوسع من قدرتهم على الإدراك؛ لأننا نريد أن نقنع أنفسنا بأنه لا يوجد ما يستحق القلق، وأن الأمور كلها على ما يرام، ولكننا حين نأخذ منهم الميكروفون قبل السماح لهم بالانتهاء مما يقولون، ونبدأ في الكلام بطريقة تشبه إلقاء درس، فإننا نحرم أنفسنا الاطلاعَ على حقيقة مشاعر الصغار، الأفضل والأولى هو الإصغاء لكل كلمة يقولها الصغير؛ لأنه يحاول أن يعبّر عما يعتمل بداخله، واطلاعك على مشاعر صغيرك أهم من السؤال والجواب معا.
يسأل الصغير: لماذا انفصلتِ عن أبي؟ سؤال صعب، يحتاج إلى كياسة في الإجابة، إذا قلتِ له إن الحب الذي كان بيني وبين أبيك قد انتهى، ربما استقر في خلد الصغير أن حبك له أيضا يمكن أن ينتهي، تحتاجين قبل الإجابة عن سؤاله، أن تؤكدي لصغيرك أن الأم هي أمٌ دائما، وأنها تظل في جميع الظروف تحب ابنها.
ينتقل إلى سؤال ثانٍ: هل يأتي يوم تعودين فيه لأبي؟ سؤال يعتمل على أمل يملأ نفس الصغير، والأمل هو الشعلة التي تقود كلا منا إلى التقدم نحو السعادة، ولكن حين يبني إنسان آماله على أمور يستحيل أن تحدث، فإن طريق نهايته الإحباط والفشل واليأس، الأولى أن تسعيْ أن توجهي صغيرك لتعديل رغبته تلك، بشيء قريب، يمكن أن يتحقق، ذكّريه أن أباه يحبه، وأن الرابطة التي تجمعهما معا هي رابطة وثيقة ونادرة، وأنهما معا سيقضيان أوقاتا ينعمان فيها بالسعادة والسرور.
ثم يأتي السؤال الثالث: هل يمكن أن أعيش مع أبي؟ ولهذا السؤال معانٍ مختلفة تماما بحسب عمر الابن الذي يسأل، فإذا كان السؤال صادرا من طفل صغير في الثالثة أو الرابعة من عمره، فحاولي أن تبعدي عن نفسك أي شعور بالخوف أو التهديد أو عدم التقدير، أجيبيه بأنه من الممكن أن يفكر في الانتقال للعيش مع والده بعد أن يكبر قليلا، وذكري نفسك بأن هذا الاحتمال ضعيف، وأنه غالبا سينسى أو يغيّر رغبته تلك بعد عدد من الأيام.
أما إن كان السؤال صادرا من أبناء في مرحلة المراهقة، الذين تخطوا الخامسة عشرة من أعمارهم، فحين يطرحون هذا السؤال الذي يعبّر عن رغبتهم في الانتقال للمعيشة مع والدهم، تكون تصوراتهم عن حياتهم قد استقرت، وهم يدركون تماما ما يودون تحقيقه في الحياة، وكيف يمكنهم أن يكونوا أقرب لتحقيق هذه الأهداف من خلال المعيشة في كنف أبيهم.
في هذه الحالة عليكِ أن تتذكري أنكِ لن تكوني الأم الوحيدة في هذا العالم التي تواجه التعامل مع أبناء بالغين، تمكنوا من تكوين علاقة صداقة قوية مع أب انفصل بعيدا عنهم منذ مدة طويلة، ولم يمنعهم ذلك من الاحتفاظ بهذه العلاقة الصحية، حين يحدث هذا الأمر، فالفضل غالبا يرجع لكِ، وللروح الطيبة التي تمكّنتِ من زرعها في نفوس أبنائك تجاه والدهم، والتي مكّنتهم من السماح لأبيهم بأن يلعب دورا نافعا في بناء حياتهم ومستقبلهم.
ألا يعد هذا دليلا جديدا وأكيدا على نجاحك وتفوقك وانتصارك في مهمتك كأم وحيدة؟