كان عليَّ أن أختار بين الحبِّ والمادة، فالرجل الذي أُحبه كان ثريًا في عواطفه، ولو كان بيده أن يمنحني قصور الدنيا ويجعلني أسكن فوق السحاب ويلفني بحرير وينثر عليَّ أرقَّ العطور، ما تردد!
لكن الفارق كبير بين ما أتمناه وما يتمناه حبيبي، وبين الواقع الذي أعيشه والواقع الذي يعيشه، فإمكاناته لا تؤهله لتأسيس منزل الزوجية، ولا تحمل الالتزامات والمسؤوليات المادية، فأمامه سنوات حتى يحقق ذلك مقارنة بالرجل الذي تقدم لي ووافقت عليه أُسرتي، فقد كان ثريًا ماديًا، وفي مركز عالٍ، ويمتلك السلطة والقوة، ووعدني أمام الجميع بأنه سيجعلني أعيش كأميرة، وكل أحلامي وتصوراتي قابلة للتنفيذ من دون مناقشة، وعدني بحياة لم أكن أحلم بها يومًا، في البداية حاولت أن أفكر بعقلي وأقنع نفسي بأن الزواج شيء والحب شيء آخر، حقيقة كان الخيار صعبًا، فكيف سأضحي بمن أحبني وأحببته، وبمن غرس بذور الحب حتى نضجت وأثمرت وفاح عبيرها ليملأ كل ذرة في كياني.. كيف أختار بين زوج يزن النساء بالألماس والحسابات، على حساب رجل يزن المرأة بميزان المشاعر والأحاسيس المرهفة، فهناك فارق كبير كالفارق بين أمنيات من أحبني والواقع الذي أعيش فيه، خاصة أن أهلي يمارسون عليَّ ضغوطًا نفسية لأوافق.
وبعد تفكير عميق انصعت لعقلي وألغيت قرار قلبي وقمت بالتنازلات الضرورية من أجل بناء حياة مشتركة، فزواج المنطق قابل للاستمرار والاستقرار، فلا توجد منغصات ولا معوقات، لأن المال كفيل بإزالة كل التحديات، نعم كنت أبرر لنفسي بكل تلك المبررات، لكي أقنعها بالإقدام على هذا الاختيار وقبوله برضا، وعشت ورأيت ولمست الحياة المخملية التي لم أكن أحلم بها يومًا، وكل ما كان يؤلمني أن أرى زوجي لا تعجبه إلا أنوثتي وجمالي، رجل لا يعرف احتياجاتي النفسية والعاطفية والاجتماعية، كل ما يجيده هو كتابة الشيكات، لا يهمه المبلغ أو كم دفع أو ماذا أريد أو كيف أريده، كل ما كان يهمه ألا يكون مقصرًا معي ماديًا، مرَّت عليَّ لحظات قاسية لم أتمكن فيها من أن أشكو أو حتى أبكي، وكان يظن أني أعيش في منتهى السعادة، لحظتها أضطر أن أخفي جراحي متسلحة بإيماني وخوفي من الله، وأحيا بالأمل والتفاؤل على أن تتبدل الظروف وتتغير الأوضاع، وها هي كل الأمور رهن إشارتي، لكن قلبي تائه حزين بعدما فشل زوجي في أن يروضه أو يعيد له دقاته أو يستبدل بعض أوردته الجافة، فهو ينظر إليَّ كامرأة بلا ميزة أو عنوان أو ثقافة، رغم أني لم أكن أحتاج لأكثر من كلمة حب ولحظة دفء لأنعم براحة البال، وكان يظن أن عليَّ تقبل الأمر ما دام منحنى ماديًا أكثر مما كنت أحلم به، ودفعت ثمن بحثي عن راحتي من عمري، فأنا من اخترت وعليَّ أن أسدد الفاتورة كاملة من سعادتي، وأن أحافظ على بيتي وزوجي ونفسي وأخلاقي ومبادئي إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
أنين الحب
الحبُّ الحقيقي، هو ذلك الحبُّ المتكامل الجوانب، الذي يرتكز إلى مبادئ إسلامية، هو الحب الذي يُظهر الفعل ويعكس القول، هو الحب الذي تترجمه همساتنا قبل كلماتنا.. غير ذلك لا نسمِّي الحب حبًا، وإنما انزلاق للهوى.. ليتنا نفهم حقيقة مشاعرنا.. ولا نتجاهل واقعنا.. لنحكم الحكم الصائب.
«غدير الصاعدي»
همس الأزاهير
ولقد حسبتُ بأنني ألقيتُ ما في الصدر من ولهٍ تليد
وبأن قصةَ حبنا سُدى لما رحلتِ عن الحدودِ
مهما رحلتِ فلا قِلَى أنت الهوى ما زال ينبضُ في وجودي
وبقيتِ هذا الكون كل الكون حرًا في هواك بلا قيودِ
مهما بُعدتِ فلا نَوَى فوِصالُ طيفكِ وافيًا أبدًا عهودي
د.عبد العزيز محي الدين خوجة
للتفاعل مع الكاتبة يمكنم مراسلتها عبر البريد الالكتروني [email protected]