ماذا تفعلين في هذا الليل الكريم؟
أربي ضفائري .. وراء غلالة من ضياء فستقي.
ماذا تفعلين في ذلك الشتاء البعيد؟
أحتسب عند الله كل ما أقتنيه من شموس ذبلت.
ماذا يجب أن تفعلي حين يجيء أوان البرتقال؟
أحتضن سلتي في انتظار انهمار الشموس البرتقالية. أملأ سلتي وأبتعد. أدخل غابة ذات أبواب، كل باب أزهى خضرة من أخيه. ينتظرني هناك رجل شعره أبيض منسدل إلى كتفيه، يحمل مثلي سلة، لكنها مملوءة بقطر الندى. ينظر في وجهي فأحلق في عيونه السماوية صاعدة هادئة هابطة في بالون أحمر.
يجلس الرجل ذو الجلباب الأبيض والشعر الأبيض القرفصاء على العشب ويدعوني أن أجلس أمامه.
يطلب مني كفي, يقرؤه بإمعان. يتعجب من كثرة علامات الاستفهام. يسميني امرأة الأسئلة.
يسألني:
ماذا كنت تفعلين في الصيف الماضي؟
أبكي فيه الشتاء والخريف والربيع المنصرم.
أين زوجك حالياً؟
زوجي له ثلاثة أشكال وألوان وأنواع وأرواح، كلها غائبة الآن.
يكون بنفسجيا حين يسمع أغنية حزينة، وردياً حين تكون الدنيا ربيعا, أصفر خفيفا في الخريف وورقة في مهب ريح الشتاء.
الحالة البنفسجية غائبة الآن، فلقد ذهب زوجي لمقابلة الجميلة ذات الأغنية الحزينة, وسيخرج من حالته البنفسجية ويدخل حالته الوردية دون أن يعود إلى البيت؛ لأن الجميلة ستدعوه إلى نزهة في الربيع.
ولن يعود إلا بعد أن يفقد كل قطرة من ماء الحياة، ويصير هباء ناشفاً في الريح ساعتها يستند برأسه إلى صدري ويبكي ندما، ورويدا رويدا يدخل مرحلة الرماد.
زوجك رجل غير عادي، ولكن ماذا عنك أنت؟.. من أنت؟
أنا في الصباح شجرة. تسكنني كل العصافير المنبهات، ذات الأجراس الحنون، والأنغام اللعوب، تدعونا لاستيقاظ دون فزع وتلهمنا نفس مزاجها الخلي المستبشر.
أنا في الظهر قصيدة من أربعة أبيات: البيت الأول ولدت فيه وحلمت في لياليه، والثاني رأيت فيه تحقق حلمي ثم تحوله إلى كابوس، والثالث أنا صورة على حائطه في إطار أسود، أما الرابع فهو واسع مضاء لم أكد أتخطى عتبته.
في العصر والمغرب أنا قيثارة تنتظر يد الليل تستنطقني فأنطق بشجو قلبي وحالي ومالي، وما أدخره للحب من أنغام، وللحزن من أيام. أنا امرأة الليل يا سيدي العزيز، إن أردت أن تلخصني في كلمة.
سؤال أخي: ما الساعة؟
الكرة تدور والعقارب تدور، والساعة ألف ساعة. الساعة هي الدورة التي لا تنتهي.. الدورة التي تنتهي فجأة.
ليس كمثلها ساعة من ليل أو نهار، أيها الرجل الأبيض ذو الشعر الأبيض والجلباب.
الأبيض والقلب الأبيض. إني أفترش العشب أمامك، وأرى أنك ترى، فلماذا الأسئلة؟.. إن سمحت لي بسؤال وحيد:
لأن الإجابات محاولات للتحليق والسفر في زرقة السماء، صاعدين هائمين هابطين في بالون أحمر.