مأساة النظرة المجتمعية للمتحرش بها

في المجتمع العربي لم يكن يعترف بقضية التحرش على أنها قضية، بل كانت تسمى فضيحة متكتم عنها ولا تصلح أن تكون ملفاً للنقاش أو قضية تستحق أن ترفع للبحث عن حلول حتى تضخمت المشكلة وباتت قضية رأي عالمية يبحث لها عن حلول، ومازالت النظرة للمتحرش بها رغم إدراك طبيعة الظاهرة نظرة سلبية للأسف، الأمر الذي أدى لتعقيد المسألة لاسيما في مجتمعنا المحافظ.


الكاتبة الاجتماعية السعودية أميرة موسى تلقي الضوء في السطور التالية على طبيعة النظرة للمتحرش بها وتأثير ذلك على مجتمعنا:


بداية تقول أميرة موسى: "لو بدأنا بالسؤال الذي يطرح نفسه دوماً في هذه القضية، وهو: كيف ينظر المجتمع إلى المرأة المتحرش بها؟ هل هي مذنبة أم بريئة؟ للأسف نجد أن معظم الأشخاص يوجهون أصابع الاتهام إلى المرأة على أنها مذنبة، متجاهلين السبب والمتسبب الأول، ودائماً تكون الأعذار أنها كانت متبرجة، أو كانت كاشفة لوجهها، أو كانت ترتدي عباءة ملونة ومزركشة، أو كانت محجبة ومتسترة ولكن كانت لوحدها، ويخرج المتحرش بريئاً من الحادثة".


وتضيف: "أذكر قول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "ما فسدت النساء إلا عندما فسد الرجال"، فبداية أي فساد تكون من الرجل ببطء دون أن يستشعر به ويبقى مطولاً في ضيافة الرجال، وعندما يصل إلى النساء يدق ناقوس الخطر، وتطلق أصابع الاتهام لفساد النساء، وليس القصد هنا تصويب أصابع الاتهام للرجل، فالرجل شأنه شأن المرأة، ولكن يجد الفرد نفسه كثيراً في مواقف انفتاح تحكمها طبيعته وجنسه، ونجد العادات والتقاليد أو نظرة المجتمع تتحيز نحو الرجل تحت شعار "الرجل لا يعيبه شيء حتى لو أخطأ"، وفي المقابل الرفض الصريح والمتشدد إذا قامت المرأة بأي تصرف ولو كان صغيراً من شأنه أن يثير الفتنة، وبالتالي يفتح المجال لانقلاب الأمور".


وتتابع حديثها قائلة: "الحوادث التي تحدث أمام ناظرينا هي نتائج التكتم على مثل هذه القضايا تحت مسمى العيب وتجاهل مخاطرها، فالمجتمعات المحافظة للأسف قد صرحت وأباحت بأمور لأحد الجنسين دون الآخر، معتقدة بأن هناك آلاف الحواجز تفصل بينهما، فلا تنتقل العدوى للنصف الآخر، وكأنهما لا يلتقيان أو يعيشان معاً، وأن مثل هذه الحوادث كالتحرش عرضة للحدوث يومياً في ظل غياب الوازع الديني والرقابة المجتمعية والقوانين الرادعة التي تصد الرجال عن التفكير في مثل هذه الممارسات، لذل أرى أنه يجب التعاطي بوعي وصدق مع هذه المشكلة من خلال المساواة في النظرة إلى الرجل والمرأة كطرفي للمعادلة يشتركان في المسؤولية".