قد لا يتصوّر المرء أن السيارة تتوجّه به عبر
ممرّات رصفت في جزيرة على شكل نخلة وسط الماء، لتمرّ به عبر مبانٍ وفللٍ تحكي
بفوانيسها المعلّقة في الخارج، قصص ساكنيها الذين أتوا بأساطير بلادهم وحكاياتهم
المطرّزة على أثاث قد لا يتخيّله المرء من الخارج. وقد جالت كاميرا «سيدتي» هذه
المرّة في عبق الشرق ورائحة التوابل وسحر الهند.
تحتفي الواجهة الخارجية البيضاء لهذه الفيللا بالطابع الروماني، تعزّزه الأعمدة بسيطة النقوش، فيما الجانب الخلفي، يعود بالمحدّق بدرجاته التي تستقرّ على طرف مياه النخلة، إلى أهرامات سقارة المدرجة التي تعود للعصر الفرعوني.
وإذ يصطبغ منزل رجل الأعمال الهندي فيني كيبول، بهدوء في التوزيع وولع بكل ما هو ثمين وأثري، تحمل كل القطع فيه الطابع الشرقي الذي تفوح منه رائحة تاريخ الهند بكل حقباته!
وقد أوحى المالك لنا، منذ ولوجنا هذا المنزل الشرقي الساحر، أنه «خارج المسألة»! فهو يدع لزوجته مدرّبة اليوغا سانكيتا، حرية اختيار كل قطعة، ويكتفي عادة بإبداء رأيه، فانسحب طواعية ولزم حديقة الفيللا ليبدأ برياضة اليوغا التي أدمنها منذ زواجه، تاركاً لزوجته المجال في الشرح والتعريف عن منزلهما.
طاقة إيجابية
تتّبع سانكيتا أسلوب «فانغ شوي» Feng Shui وهو ترتيب خاص للمساحات، يمنح الطاقة الإيجابية للجسم المكوّن من عناصر خمسة، هي: الأرض والهواء والماء والنار والفضاء، عرفها حكماء الهند منذ 10 آلاف سنة. وقد بدا هذا الأمر جلياً من مدخل البيت الذي يخلو من أية قطعة أثاث، باستثناء «درسوار» يعود إلى قصور المهراجا في الهند، تتوزّع عليه قطع من الذهب الخالص.
بين التعقيد والبساطة
قبل دخول القاعة الرئيسية، تتموضع في الممرّ طاولة ذهبية مستديرة، إشترتها المالكة من مزاد للقطع الأثرية في القاهرة وتعود للقرن الثامن عشر الميلادي.
وإذ تنقسم القاعة الرئيسية إلى قسمين، يحمل كلّ واحد منهما ألواناً محدّدةً وقطعاًَ تعود بالمشهد إلى عصر معيّن، إلا أن الطابع الشرقي يجمعهما في طريقة تتآلف معها الأشياء رغم تباعد أماكن صناعتها. ففي القسم الأول، تحلّ الكنبات باللون الزيتي الفاتح، المزدان بأقمشة برتقالية، بينما تشترك الستائر مع الكنبات في اللون. وفي سقف الصالة، تتلألأ ثريا كريستالية دقيقة الصنع من شواروفسكي. وتحلّ الرحابة، ما يسمح للعين أن تسرح بنظرها، وذلك من خلال حسن اختيار الأثاث البسيط الذي يجمع بين الكلاسيكية والحداثة، بدون تعقيد أو زخارف.
وتشرح المالكة: «أحبّ المكان الواسع والفضاءات التي تفسح المجال للحركة. لهذا، أختار الطاولات المستديرة قليلة الإرتفاع في الزوايا، وأتعمّد أن أضع فوقها قطعاً أثرية قليلة الإرتفاع، لتوحي للساكن أن مسافة كبيرة من الأرض حتى السقف هي ملك لأفكاره!».
أما النصف الثاني من القاعة، فتغلب عليه ألوان البني والبيج والذهبي، كما تبدو القطع المزخرفة أكثر تعقيداً لتعطي للمكان توازناً خاصاً، علماً أن خامة الخشب تسود المكان: الصندل المصنّع بالهند، بينما السجادة العجمية، إبتاعتها سانكيتا من مزاد في أوروبا، وتعود إلى قرنين من الزمن.
«عندما تنطق الريح باسمك»!
هذا الإسم أطلقته المالكة على غرفة الطعام المطلّة على القاعة الرئيسية، بدون باب يفصل بينهما. ولدى النظر إلى الطاولة التي تلتفّ حولها ثمانية كراس، ذهلنا بباب يتموضع خلف زجاجها العلوي، يعود تاريخه إلى 500 سنة خلت، وهو من الذهب الخالص!
لأي عصر أو لأي قلعة؟ سؤال لم تتمكّن سانكيتا من الإجابة عليه، لكن الكراسي ذات الطابع الفاطمي المصري المفرّغ ربما تحكي عن مصدر ذلك الباب الأثري. و«عندما تنطق الريح باسمك» هو إسم اللوحة في صدر غرفة الطعام، وهي بريشة رسّام هندي معروف.
في الجهة اليمنى لغرفة الطعام، تدخل شمس الجزيرة الدافئة لتكشف لنا عن «صندوق الأحلام» كما أسمته المالكة، وقد اعتادت أن تضع وراء زجاجه الشفّاف قطعاً صغيرة من العاج الأصلي منحوتة بأيدي صنّاع مهرة، تحكي كل قطعة «حلم اليد» التي نحتتها. وقد ابتاعت المالكة هذا الصندوق من مزاد في سلطنة عمان، وتجاوره ساعة من «الأنتيكات» التي تفخر المالكة باقتنائها، إذ اشترتها من مزاد في بريطانيا.
وعلى الجهة اليمنى، تتجمّع صور العائلة على طاولة من العهد الفيكتوري، لكن لوحة الفنان البنغالي سابنتا، وطريقة ترتيب الشموع على الأرض كما هي عادات الهند، تغيّب عن الناظر المشهد الفيكتوري، وتوغل به في غياهب الشرق!
عطور الشرق
قبل الصعود إلى الطابق العلوي، يرتسم حمّام الضيوف الذي يبدو مختلفاً حتى في أشيائه وعطوراته وشموعه. هنا، لكلّ شمعة عطر يميّزها، إذ تمتلئ السلّة القابعة في أرض الحمّام بمستحضرات الزيوت والإستشفاء من التشنّجات والإكتئاب. وقد اعتادت المالكة جلبها معها سنوياً من الهند، حتى ملأت رائحة العود والعنبر ذاك المكان الصغير، ونقلتنا تلك الروائح إلى ما وراء المحيط وسط الغابات البكر.
هديتي له!
في الطابق العلوي، وفي الممرّ المؤدّي نحو غرف النوم الأربع، تنتصب خزانة مشغولة من خشب الصندل، تبدو غريبةً بعض الشيء بتصميمها المختلف والقطع المعدنية المتجمّعة فوقها! إلا أن السؤال عنها بيّن لنا أنها تعني الكثير للمالكة، إذ إنها تشكّل الهدية التي حملتها معها من بيت أهلها إلى بيت الزوجية في دلهي، منذ أكثر من عشرين عاماً، وقد فضّلت نقلها إلى دبي، لما تحمله كل قطعة فيها من ذكريات دافئة جمعتها وزوجها الذي أنجبت منه ولداً وبنتاً.
وعلى جهة اليمين، تفتخر المالكة بغرفة خاصة اعتادت الإسترخاء فيها للقراءة، يطغى اللون البيج الفاتح عليها، وذلك من أرضيتها إلى سقفها، فيما أثاثها ينتمي إلى الجلد الأصلي، وينتمي السرير الدائري إلى مجموعة روش بوبوا. وفي هذا الإطار، تقول المالكة: «أنا مسحورة بالماركات الثمينة. ويهمّني أن أجمع كل ما هو أثري ومتفرّد، وقد أسعى لاقتناء تصميم جديد لنفس المصمّم، فأغيّر كلّ مقتنيات المنزل!».
ثم، دخلنا غرفة نومها الخشبية، وما لفت نظرنا
فيها على الجهة اليمنى، تلك الأساور التي جمعتها منذ صغرها، وهي أساورها الخاصة
التي وضعتها في أنابيب خشبية، ورصفتها بشكل يوحي أنها قطعة أثرية في متحف.
للاطلاع على الصور بشكل أوضح زوروا استوديو "سيدتي"