البحار والمحيطات لها باع كبير في التأثير على المناخ والتقلبات الجوية من حولنا، حيث تتشكل دوماً الرياح الدائمة والكتل الهوائية الباردة والدافئة داخل المحيطات، ومن أبلغ الأمثلة على ذلك ما يعرف بظاهرة النينو والنانا، التي تتكرر كل عدة سنوات داخل المحيط الهادي، وتتسبب في تبدلات واضطرابات مناخية قاسية في معظم أنحاء العالم، ومن ذلك زيادة الموجات الحارة ومعدلات الجفاف والفيضانات والأعاصير.
الفرق بين الظاهرتين
النينو: تتصف بانتقال كتل هائلة من المياه الحارة في المحيط الاستوائي من الشرق إلى الغرب، وتظهر تقريباً كل أربع إلى 12 سنة بالمحيط الهادي.
النينا: تكون الحالة المعاكسة، فهي تنشأ من اندفاع هذه المياه الساخنة نحو الشرق من المحيط الهندي وآسيا وإندونيسيا وأستراليا.
أما الأخطر حالياً فهي «النينو» وتتمثل في زيادة حرارة المياه السطحية بشكل لافت، خاصة في فصلي الصيف والخريف، بما ينتج عنه تولد تيارات وكتل مائية بحرية دافئة، وتحركها شرقاً حتى بلوغ سواحل أميركا الجنوبية وبالتحديد سواحل البيرو والإكوادور، مما ينجم عنه تغيرات مناخية وبيئية قاسية في أرجاء أخرى من العالم،
وعلى هذا النحو، فإن تيارات «النينو» البحرية الدافئة تتسبب عادة في ارتفاع درجة الحرارة واضطراب المناخ بالقرب من السواحل الأسترالية الشرقية والشمالية وإندونيسيا، كما توجِد تأثيراً مشابهاً على سواحل الهند وشرق أفريقيا ومناطق أخرى بالنصف الجنوبي من الكرة الأرضية، في حين تعمل هذه الظاهرة على ثبات واستقرار الأنظمة الجوية وزيادة هطول الأمطار بالنصف الشمالي من الكرة الأرضية، خاصة في روسيا والشرق الغربي للولايات المتحدة والبرازيل.
عودة النينو
شهد هذا العام ظهور مؤشرات قوية وعديدة على عودة «النينو» إلى المحيط الهادي، حيث زادت درجة حرارة طبقة المياه السطحية في المنطقة المدارية شرق المحيط بدرجة ملحوظة منذ بداية أبريل/نيسان هذا العام، كما تراجعت بشكل لافت قوة الرياح الغربية التجارية، مما يشير إلى تنامي الظاهرة بهذه المنطقة.
وتوضح نتائج الرصد والقياسات الحقلية البحرية الدورية أن الحديث عن ظاهرة «النينو» قد تعدى بالفعل مرحلة التكهنات، وأنها أصبحت حقيقة واقعة وملموسة، حيث ارتفعت على سبيل المثال درجة حرارة المياه السطحية قبالة سواحل البيرو بشرق المحيط الهادي خلال يوليو/تموز المنقضي بأكثر من 1.8 درجة مئوية عن معدلها العام.
كما تزامنت مع هذا زيادة حدة وعدد الموجات الحارة، والاضطرابات المناخية بالمحيط الهادي، إذ شهد على سبيل المثال الجزء الغربي منه حتى الآن خمسة أعاصير كبرى، مقارنة بإعصار وحيد في المتوسط خلال نفس الفترة من السنة.
يشار إلى أن آخر ظهور لظاهرة «النينو» كان خلال عامي 2009 و2010، وتسببت آنذاك في زيادة موجات الجفاف بأستراليا والفلبين والإكوادور، فضلاً عن زيادة هطول الأمطار في جنوب شرق آسيا، وعواصف ثلجية قوية بالولايات المتحدة.
كما تشير أيضاً هذه النماذج إلى تزايد احتمالات استمرار آثار ظاهرة «النينو» هذه حتى ربيع العام القادم، وهو ما يمكن أن يؤثر بدوره على إمدادات الغذاء والمياه وعلى أسعار المنتجات الزراعية والموارد السمكية، وهذا من واقع التداعيات المناخية والبيئية الناجمة التي تتضمن خفض موارد المياه، وزيادة موجات الجفاف وذبول المحاصيل في أكثر من منطقة عبر العالم.
وبطبيعة الحال، فقد فرضت كل هذه التوقعات المتشائمة نفسها على أجندة النقاش الخاصة في قمة المناخ الدولية المقرر عقدها بباريس أواخر هذا العام، كما استنفرت اهتمام كثير من القادة ومتخذي القرار في أكثر من دولة، وذلك بسبب الخسائر البشرية والاقتصادية الآخذة في الازدياد بسبب عودة «النينو».