الخطر

أوقف السيارة خلف مبنى محاط بحديقة مهملة، وقال لنا إنه لن يتأخر، أغلق النوافذ وترك فتحتين ضيقتين للتهوية، أقفل الأبواب من الخارج، وابتعد وهو يمسّد شعره، وينفض عن سترته ما علق بها من غبار لا يراه غيره.

«زوجك مجنون» قالت أختي.

«لو كان يخاف علينا حقا لما أوقف السيارة خلف المبنى، لِمَ لَمْ يوصلنا إلى البيت، أو يتركنا في مقهى على الأقل؟» أضافت بعصبية بالغة.

 تنهدت بصمت، لا أدري، لا أعلم شيئا عما يدور في خلده.

 تزوجت رجلا غامضا يتحرك من حولي كمخبر سري.

«لن أموت اختناقا هنا في كل الأحوال!» أعلنت وقد زاد انفعالها، ومدت يدها إلى زر النافذة.

«إياك!» منعتها «لن يتأخر، لا أريد مشاكل معه».

«هل ستحسبين طيلة عمرك ألف حساب لكل كلمة ينطق بها؟ لا يمكنك أن تعيشي في رعب إلى الأبد، لست في معتقل!»

بلى. أنا في أكثر من ذلك. عبدالمالك رجل قليل الصبر، سريع الغضب، يريد أن تمشي الأمور كما يأمر.

«قلت لوالدينا بأنهما يجرمان بحقك، تقدمك قليلا في العمر لا يبيح لهما رميك هذه الرمية، رجل خفي، لا يكاد يراه جيرانه، ولا يعرفون شيئا عنه، كيف يستأمنونه عليك؟»

«تقدمك قليلا في العمر»، الكلمات الوحيدة التي علقت بذهني، من حق أختي التي لم تبلغ العشرين بعد، أن تقول هذا الكلام بتجرد، هي لا تعرف ثقل السنين، ولا وحشة العنوسة، في الربيع القادم سأكمل عامي السابع والأربعين، عليَّ أن أحمد الله لأن عبدالمالك رضي بي، لا يجوز أن أجازيه بالجحود والنكد وسلاطة اللسان.

أطل شخص من خلف مبنى في رأس الشارع، وقف يتأمل صف الجدران غير المطلية التي نقف بمحاذاتها، تعلقت عيناي به، ولم أعد أركز في ما تقوله أختي، المكان مهجور فعلا، لا أثر فيه سوى للحشرات المحلقة فوق أكوام نفايات مرمية هنا وهناك.

 لماذا تركنا في هذا الخلاء؟

«أنت حرة، دعيه يدفنك إن شئت، لكنني لن أبقى في هذا الفرن ثانية زيادة!»

فتحت النافذة، وهمت بأن تقفز خارجا، استدرت بسرعة وتشبثت بها، وتراجعت كلتانا عندما جرى الشخص الغريب نحونا.

شاب كث الشعر، رث الثياب، مخيف الهيئة، جذبتُ أختي بكل ما أوتيت من قوة، وضغطت على زر النافذة، انغلق الزجاج في اللحظة التي توقف فيها الرجل قريبا منا، وجهه المحروق بالشمس يتفصد عرقا، وعيناه الضيقتان تحملقان فينا، بدا على وشك الانقضاض علينا.

«أرأيت؟» وبخت أختي «ينبغي أن ننتظر عبدالمالك في الداخل».

«ليذهب إلى الجحيم!» انتفضت بحنق «كنت مجنونة عندما قبلت بأن آتي لأطمئن عليك، لن أعيدها ثانية، متى سيأتي بسلامته؟ أريد أن أجمع حقيبتي وأعود إلى مراكش».

هز الشاب كتفيه واستدار جهة الحائط، وأخذ يجمع الأزبال في أكياس بلاستيكية سوداء، استلها من حزامه، نظرت لساعتي، أكثر من أربعين دقيقة على غياب زوجي، هل نسينا؟ يفعلها كثيرا، لكن، ما ذنب أختي لتتحمل سهوه؟

كوم الشاب الأكياس ونظر إلينا، وشعرت بالرعب، رفع إبهامه إلى السماء، وحرك كفه نحو الأسفل، ولم أفهم شيئا.

«يريد أن يقول شيئا، هل أفتح النافذة؟» سألتني أختي، ونهرتها، إن لم يتركنا في حالنا سأتصل بزوجي، يكره ذلك، ولكن الوضع غير طبيعي.

 أدار الشاب ظهره فجأة وابتعد.

لمحت زوجي في المرآة، كان يتحدث في الهاتف ويقترب ببطء.

«وأخيرا!» تنهدت أختي «اسمعي يا فتيحة، أنا فعلا سأعود إلى البيت، لا تغضبي مني، ولكنني أجد صعوبة في تحمل ما تعيشينه» أضافت بسرعة وكأنها تخشى أن يسمعها عبدالمالك، وافقتها دون مناقشة، وفتح زوجي الباب وجلس وهو يواصل ثرثرته في محموله.

اقترب الشاب الذي أخافنا، كان يدفع عربة صغيرة أوقفها قرب كومة الأزبال، وانهمك في نقلها إليها، ناداه عبدالمالك ونقده شيئا.

«لا مشكلة؟» سأله.

«لا، لا شيء» رد بتردد لم ينتبه إليه زوجي.

تحركت بنا السيارة، أنهى عبدالمالك مكالمته وقال: «هذا حارس الشارع، طلبت منه أن يلقي نظرة عليكما، لا أمان في العالم هذه الأيام».

تنحنحتْ أختي، وشعرت بأنها تضحك.