لا تطفئي الشمس
سيدتي أنا فـتاة في السادسة والعشرين على قدر من الجمال، جامعـية ومثقفة نشأت في جو أسري سلبي، بين أم لا تُبالي وأب يعيش للمتعة، وبرغم الصـعـاب واصلـت حياتي وتعليمي إلى أن تخرجت.
تعرفت على شاب عن طريق النت وعشنا تجربة كلها فرح وسعادة وملؤها الاحترام، وجدته رجلًا في المواقف الصعبة، ولمست حنانه ورومانسيته وكرمه وإخـلاصه، في آخر عام من الدراسة الجامعـية فاتحـني في الـزواج، وفـرحـت بذلك لأنني كنت أريده بالحلال، وأريد أن أبدأ مرحلة جديدة في الحياة بعد الزواج تعوضني عن كل ما فات،
ثم بدأت المشاكل حين فاتح أهله بخصوصي؛ لأن الطلب قوبل بالرفض لأنه ابن قبيلة وابن القبيلة لا يتزوج إلا من داخل العائلة حسب العادات.
ولم أفقد الأمل علمًا بأنني كنت أرفض الكثير من الخطاب بسبب علاقتي مـعه، وانقـطعت أخباره عني أربعة شهور كاملة حتى اعتقدت أن مكروهًا أصابه، وبعد أربعة شهور اتصل وأخبرني بأنه كان يؤدي فترة تمرين يسبق وظيفة يتمنى الالتحاق بها، وأخبرني أنه كرر المحاولة مع أهله، ولكن أمه أمعنت في الرفض ورشحت له زوجة من أقاربه، واعتبرت إصراره عليَّ عقوقًا، باختـصار شعرت بأنه تنصل من الموضوع لأنه صعب ولن يستطيع أن يكرر المحاولة مع أهله، وأنه قرر أن يبقى بلا زواج.
لم أعد أعرف ما الطريق الصحيح، هل أفقد الأمل؛ لأن عائلته ترفضني، أم أستمر معه وأنا أعلم أن تعلقي به بلا أمل في الزواج سوف يتعبني نفسيًّا؟ أصبحت أبيت باكية؛ لأني أشعر بالعجز ولا أتصور أن أفقد الإنسان الذي أحبني وأحببته؛ لأنني إن فعلت أكون تهاونت في حقي.
أريد رأيًا محايدًا وأتمنى أن أجده عندك، أرجو أن تقرئي رسالتي في أقرب وقت ممكن.
ابنتك المخلصة فاقدة الأمل
عزيزتي أنا مؤمنة بتسمية الأشياء بأسمائها الصحيحة، رسالتك لا تخلو من التناقضات، فها أنت تمتدحين فيه صفات الرجولة في المواقف الصعبة وتمتدحين كرمه وحنانه وحبه لك، ومع ذلك فهو الرجل الذي انقطعت أخباره أربعة أشهر كاملة دون أن يقدر تأثير هذا الغياب على إحساسك بنفسك، تركك نهبًا للظنون لكي تكون فترة الصمت هي فترة تمهيد لإنهاء العلاقة بالأسلوب الذي تعتـمده نسبـة كبـيرة من الشباب الذي يدخل في علاقات مع فتيات على الإنترنت، فهي علاقة تتجاوز أسوار العـرف المـقـبول اجتماعيًّا طرفاها متفـقان علـى صيغـة للتـواصل لا تلزم أحدهما بشيء سوى تحقيق الهدف من وجود تلك العلاقـة، أحـيانًا يكـون الهـدف هو قطع الوقت، وأحيانًا يكون الدخول في حالة عاطفية مسكنة للألم، وأحيانًا يكون الهدف هو البحث عن شريك حياة، ولكن النجاح في مثل هذا المسعى ضئيل لأسباب كثيرة.
لم يخف عليه من البداية أن انتماءه إلى قبيلة قد يشكل عقبة كبرى إذا أفصح لأهله عن رغبته في الارتباط بك، فهل نوَّه لك بذلك طوال السنوات التي استمرت فيها العلاقة بينكما؟ قد يكون هذا التفكير بعيدًا عن تعاليم الإسلام، وبعيدًا عن الإنسانية، ولكنه واقع ينبغي التعايش معه أو التصدي له، وفي العلاقة بينك وبين ذلك الشاب لست الطرف المكلف بالتصدي للعرف القبلي، طالب الزواج هو المكلف ولكنه أعلن استسلامه لعرف أهله من أول جولة، فأصبحت الكرة في ملعبك تنهشك الظنون وتحيرك الاحتمالات إلى درجة التفكير في الاستمرار في العلاقة دون أمل، فهل تظنين أن إعراضه عن الزواج في الوقت الحالي دائم إلى ما لا نهاية؟
طلبت نصيحتي فاقبليها إنْ شئت، قد يكون إحساسك بالخسران وبالخوف من فقدان الحب قاسيًا ومخيفًا، ولكن الاستمرار في هذا الوهم أشد قسوة وفتكًا.
تقولين إنك لا تستطيعين الحياة دونه، ولكن الظروف فرضت عليك الحياة دونه لمدة أربعة أشهر، اعتبري الأمل في حياة أفضل مثل شعر رأسك، لو أغار عليك شخص وبيده مقص قص به شعرك الطويل الغزير ستكون الصدمة والإحساس بالخسران رهيبًا وقد يبكيك، وقد يشعرك بالخزي من أن يراك أحد، ولكن تدريجيًّا يطول الشعر إلى أن يعود إلى سابق عهده، وكذلك الأمل لأنه جسم حي يعشش في القلب والوجدان، لو انصب اهتمامك على مراقبة نموه لن ترتاحي، لذلك أنصحك بالتفكير الإيجابي، لا تختزلي حياتك في تجربة حب لم تُثمر، تذكري أن الإنسان لا يموت من الحب، ولكن الذل يقتل والفضيحة تقتل والخيانة تقتل، فلا تعرِّضي نفسك للذل، ولا تفرضي على نفسك حياة بلا زواج بسبب تجربة لم تؤتِ ثمارها، امنحي نفسك فترة نقاهة نفسية وإن تقدم لك خاطب مناسب تزوجي واسعدي، والأهم من ذلك هو أن تضعي كلمة النهاية على كل اتصال مع هذا الشاب بلا عدوان، بل بحزم قائم على المنطق، إن لم يكن قادرًا على نبذ العرف الظالم فهو غير قادر على حماية زوجة ستكون رهينة في بيته ووسط أسرته، ولذلك فالأفضل لكليكما أن يبحث عن مستقبل مستقر مع شريك آخر، لا تقنعي نفسك بأنك لست قادرة، فحين تكون الحياة معرّضة للخطر يكتشف الإنسان داخل نفسه منابع قوة لم يكن ليحلم بها في الأوقات العادية.
الرجل الحلم
سيدتي أنا فتاة في الثالثة والعشرين، تعرفت على شاب عن طريق الإنترنت وتحاببنا وتعاهدنا على الزواج حين يفرغ كل منّا من الدراسة، بعد التخرج بحث من أحب عن وظيفة، وحصل عليها وأصبح تحقيق الأماني قاب قوسين أو أدنى، وفاتح والدته في الموضوع قائلًا إنه سمع بي من زميل له بالجامعة وأعجبه ما سمع وحصل على اسمي ولقبي وعنوان أسرتي، كلّمت والدته والدتي وتحدد موعد الزيارة، كنت فرحة ومستبشرة حتى التقينا وجهًا لوجه، كنت أتصور أنني أعرفه كما أعرف نفسي، وأعرف صوته وصورته وآراءه، باختصار تصورت أنني أعرف عنه كل شيء، حين التقينا شعرت بأنني أجلس قُبالة شخص غريب، كان أقصر مما تخيلت، كما أن ميله للسمنة وبروز الكرش أدهشني، مرت الزيارة وأنا شبه شاردة، وحين سمعت والدتي تقص على والدي ما حدث، وتعبر له عن رأيها في الخاطب، شعرت بأنني في حلم مزعج لن أصحو منه، أفقت على صوت أمي تسألني عن رأيي فلم أنطق، طلبت مهلة للتفكير، واعتراني همٌّ كبير لأنني لم أُرد أن أفتح «الماسنجر» للتواصل معه؛ خوفًا من أن يكتشف ترددي أو أن اضطر إلى الكذب عليه، لا أعرف كيف أتعامل مع هذا التحول الكبير في مشاعري، ولا أعلم ما مصير هذه العلاقة، أرجوك انصحيني.
أسيرة الصمت
عزيزتي ليس غريبًا أن يختلف الحلم عن الواقع، وليس غريبًا أن يتألم الإنسان حين يفيق من أحلامه، لن أقول لك ارفضي الخطبة، ولكن سوف أقول لك أن تبدئي مع الخاطب المشوار الصحيح، لقد عرفته كحلم تجسدت فيه كل احتياجاتك العاطفية، وقد حان الوقت لكي تتعرفي عليه الآن كإنسان من دم ولحم، لا تعتبري كل ما فات لاغيًا بل اعتبريه خلفية لعلاقة قد تدوم وتدوم وتدوم إذا تحقق لكما الانسجام على أرض الواقع، الإنسان لا يُقيَّم بطول قامته أو قصرها، والسمنة ليست عاهة مستديمة بل هي مسألة تنظيمية بحتة يمكن التغلب عليها وتجاوزها، اعتبري قصر القامة والسمنة برمجيات متغيرة، ولكن إذا كان الأساس قويًّا يمكن تغيير البرامج إلى الأفضل.
اطلبي من والدك أن يستقبل الخاطب وأن يُبدي رأيه قبل أن تعلني رأيك أنت، وذلك لإعطاء نفسك فرصة للتكيف مع الواقع الجديد، وامنحي الخاطب فرصة لكي يعبر لك عن تجربته النفسية بعد أن التقى بك وجهًا لوجه، قد يكتشف كل منكما جانبًا جديدًا من شخصية الآخر يضيف إلى العلاقة عنصرًا إيجابيًّا.
أسيرة الخوف
سيدتي أنا فتاة في الثانية والعشرين عِشت حياة مليئة بالأخطاء والقسوة، كان أبي شديد القسوة، بعد إنهاء دراستي الثانوية خُطبت لابن عمي ولم أشعر نحوه بمودة وتفاهم، وفسخت الخطبة بناء على معلومات مؤكدة بأن للخاطب سلوكيات غير مقبولة، بعد فسخ الخطبة تعرفت على شاب عن طريق الإنترنت ونشأت بيننا صداقة تحولت إلى إعجاب وحب متبادل، ولم أخبره بأنني خُطبت من قبل خوفًا على العلاقة، وبعد أن توطدت الصلة بيننا أخبرته، فغضب ولكن سرعان ما تراجع الغضب وعاد التفاهم، وانتظرت أن يحدثني عن خطبتنا، ولكنه تردد لأن والده مريض وخشي أن يعرض عليه الأمر فيرفض وتسوء حالته الصحية، ولكن بعد تردد عزم وكلَّم والده وجاء لخطبتي، ما المشكلة إذن؟ المشكلة هي أنني أحبه، وأعلم أنه يحبني وقد تحدى الظروف من أجلي، ولكن المجتمع يرفض هذا الحب؛ لأننا تعارفنا عن طريق النت، والآن أخاف أن يتحول حبه لي بعد الزواج إلى انعدام ثقة، وأن يتأثر بكلام الناس من أن المعرفة التي تسبق الزواج تنعكس سلبًا ويحل الشك المتصل محل الثقة والمودة، لقد عوضني هذا الحب عن فقدان كل جميل في حياتي، ومع ذلك أشعر بأنني تائهة وخائفة من الفشل للمرة الثانية، أتمنى أن تساعديني بنصيحة أنتظرها بفارغ الصبر.
ابنتك أمينة
عزيزتي هناك نوع من الناس يشلّه الخوف؛ بحيث أنه يأبى أن يخرج من المسكن خوفًا من أن تدهمه سيارة مسرعة، لقد اختار أحدكما الآخر وتكلل الاختيار بمشروع زواج رغم كل العقبات المحتملة، فلماذا تبحثين عن احتمالات الفشل؟
تزوّجي واسعدي واعلمي أن مسألة زوال الشك بيدك، الزوجة العاقلة تحرص على مشاعر الزوج ولا تخرج إلا معه إن شاء وتبتعد عن التحدي والمشاحنات والشكوى إلى أن يطمئن قلب الزوج، ويحل بينهما الاستقرار والسكون.
ردود
منصور منصور
إنْ لم تكن مطمئنًا كل الاطمئنان فلا تُقدم على الزواج، احتمالات الفشل قائمة إلى أن تثبت براءتها من التهم الموجهة إليها.