يختلف بعض الناس في فهمهم للمقصود بالفضفضة، فالبعض يراها ثرثرة من دون فائدة، والبعض الآخر يراها تعبيرًا عمَّا بداخل النفس، ولكن الحديث للأشخاص الذين هم رمز للثقة شيء لا بأس به، مادام يخضع لمعايير لا تخرج على المألوف، ويلجأ الرجال والنساء على حدٍّ سواء إلى الفضفضة والحديث مع الآخر. هناك عبارة نتداولها في حياتنا اليومية بالعامية إذا وجدنا أحد الأصدقاء في حالة سيئة «فضفض باللي في قلبك» بمعنى «صرح عما بداخلك ولا تقلق»...
ما هي؟
يبدأ الدكتور عبد العزيز الناهض، استشاري نفسي، حديثه عن هذا الموضوع قائلاً: «الفضفضة كلمة عامية، ويقصد بها إفراغ ما في النفس والحديث بما يجول في الخاطر والتعبير عنه، والشكوى إلى الشخص الموثوق به، ومعناها باللغة العربية (الإفصاح)».
ويوضح الدكتور عبد العزيز الناهض أنّ الإفصاح مهم جدًّا؛ لأنه يخفف الكثير من الآلام النفسية، ويقلل من حدة التوتر والقلق، ويساعدنا على البحث عن حلول لمشاكلنا، وذلك من خلال مشاركة الآخر للحديث معنا، وما استماعه لنا وإبداؤه الاهتمام بحديثنا إلا دليل على المشاركة الوجدانية التي تقلل من التوتر الذي نعيشه، كذلك تتبدل الحالة السلبية إلى إيجابية، والمشاركة في حد ذاتها تعد علاجًا لمشكلة ما.
كما يؤكد أنّ الكثير مِمن يمارسون الإفصاح يترددون كثيرًا، بل ويتجنبون نهائيًّا في بعض الأوقات الفضفضة خوفًا من تفشي أسرارهم أو من الوقوع في سلبيات الإفصاح مثل: السخرية، الاستهزاء، أو استعمال المعلومة استعمالاً سيئًا، وذلك يؤدي إلى إيذاء صاحبها.
بين الإفصاح والكتمان
يرى الناهض أنّ النساء سابقًا وحاليًا أيضًا يتميزن بقدرة أشد على التعامل مع ضغوط الحياة، وما يواجهن من قلق وتوتر، ويجدن الحل الأفضل لهنّ أن تشاركهنّ صديقاتهنّ الحديث، ويلجأن للإفصاح للقريبات في العمر منهنّ، وتتفهم النساء بعضهنّ البعض أكثر من الرجال؛ لأنّ الرجل بطبعه يختلف عن السيدة في كثير من الأشياء.
كما يظن بعض الرجال أنه من صفات الرجولة أن يكون الرجل كاتمًا لسره وقليل الشكوى مما يحيطه، وهذا يعني مع الأسف أنّ الرجل أقل قدرة على التعامل مع ضغوط الحياة ومشاكلها.
بديل الإفصاح
ويؤكد أنه لا يوجد بديل للفضفضة إلا بالرجوع لشخص مهني متخصص، وهناك ما يلجأ إليه كثير من الناس وهو الإفصاح لإمام المسجد، أو لشيخ، أو معالج بالقرآن، وقد يكون مرشدًا روحيًّا أو قسًّا عند غير المسلمين....
ويرى الدكتور عبد العزيز أنّ الإفصاح بين الزوجين هو الأصل، وطبيعة ونوع العلاقة بين الزوجين تُحتم الإفصاح والفضفضة، وإذا لم يتوفر هذا النوع من التفاهم بين الزوجين يصبح الأمر غير طبيعي وخارجا عن العادة.
وينهي حديثه قائلاً: «إنّ المكان الذي نلجأ للإفصاح فيه لبعض الأشخاص يجب أن يكون مكانًا مناسبًا وهادئًا وبه قدر من الخصوصية والسكينة، ولا يوجد معيار محدد لاختيار أشخاص نفصح لهم عما بداخلنا، والسيدات أكثر مهارة في إيجاد أشخاص مناسبين».
تخفف الغضب
بدورها تقول الدكتورة تغريد السمان، استشارية الخدمة الاجتماعية بمستشفى قوى الأمن: «إنّ الفضفضة تُنفس عن الشخص، وتخفف الضغط والغضب الداخلي، وذلك شيء مهم جدًّا لكيلا يتفاقم الوضع وتنتج عنه أمراض نفسية»، وتعتبر الدكتورة تغريد أنّ التحدث مع شخص مؤهل كالطبيب النفسي أو الاختصاصي الاجتماعي هو الأفضل؛ حيثُ إنه يملك كفاءة علمية ومهنية قوية، ومن الممكن أن نستفيد مما يملكه من خبرات وتجارب.
وترى السمان أنّ الفضفضة بين النساء حاليًا وسابقًا لم تختلف كثيرًا؛ حيثُ إنها فن تبادل الحديث والتحاور في كل ما يدور داخلنا مع شخص مصدر للثقة، وترى أن الفضفضة تختلف تمامًا عن الثرثرة والنميمة، ويلجأ لها الأشخاص ليخرجوا بفوائد وقيم إيجابية نافعة، وذلك عن طريق الاجتماعات الهادفة والحوار الجماعي بمجموعات بحيث يطرح الشخص مشكلته، ويحاول الباقون إيجاد حلول لمشكلة هذا الشخص، مع الالتزام بحدود الحديث؛ فلا يناقش كل شيء بل يكون الموضوع عامًّا، ويكون الشخص الذي يدير حلقة النقاش مؤهلاً كطبيب نفسي، وبالفعل يتم تنفيذ هذه المجموعات والحلقات في الدول الأجنبية.
الإفصاح بين الزوجين
ترى الدكتورة تغريد السمان أنّ الإفصاح والفضفضة بين الزوجين مهم جدًّا وأساسي؛ حيثُ إنّ العلاقة الزوجية تقوم على المودة والرحمة والحب، ومن الضروري أن تكون هناك لغة حوار بين الزوجين حيثُ يشعر كلاهما بدفء وقوة مشاعر الآخر، وبالتالي ينعكس ذلك على الأسرة والحياة الزوجية، ويكون الحوار والفضفضة لهما جدوى وفائدة كبيرة بين الزوجين، ليس فقط للخروج من حالة التوتر والقلق بل أيضًا لإيجاد نوع من التفاهم والمشاركة في الرأي بين الزوجين، والقضاء على أي خلاف أو سوء تفاهم بين الطرفين، وذلك كله من خلال الفضفضة، ولكن من الممكن أن تكون هناك بعض نقاط الاختلاف أيضًا بين الزوجين، وذلك عند المناقشة والإفصاح، وليس معنى ذلك أنّ الفضفضة ليس لها مكان أو وقت بين الزوجين، ولكن لابد أن يكون الطرفان يتناقشان بهدوء وحكمة، ويخرجان بحلول إيجابية.
أبناؤنا والفضفضة
الدراسة تؤكد أنه من الضروري أن نربي أولادنا على الفضفضة؛ حيثُ إنها تعد من أهم أسس تربية الأولاد والبنات، وحثَّ على ذلك ديننا الإسلامي الحنيف، فمن الواجب بناء جيل ناجح وجديد وله حرية فكرية كبيرة، والحوار من أفضل طرق غرس الثقة والاحترام بين الأبناء ووالديهم، بل أيضًا الحديث والفضفضة لهما منافع إيجابية في تقوية العلاقة والروابط الأسرية.
وتذكر الدكتورة تغريد أنّ الإنسان يلجأ إلى الفضفضة في أي مكان؛ أي عندما يشعر بأنه يحتاج إلى الفضفضة.