قد يعتقد الوالدان أن الأوان فات على تقويم سلوك طفلهما المدلّل، فيرضيان بطباعه السيئة نادمين على الخطأ الذي ارتكباه بالمبالغة في تدليله منذ البداية، ولكن خبراء علم النفس يشيرون إلى أن الأوان لم يفت بعد، في هذا الإطار.
«سيدتي» تستوضح كيفية الحدّ من دلال الطفل من خلال هذه المعلومات المستمدّة من الإختصاصية في تعديل السلوك بـ «معهد التربية الحديثة» نهال بدر.
يجدر بالوالدين بذل جهد لإصلاح ما أفسده التدليل في شخصية صغيرهما، إذ يعدّ وجود طفل مدلّل داخل الأسرة مشكلة تحتاج إلى حلّ حاسم! وبالطبع، لا يعني الحسم القسوة على الطفل أو حرمانه، بل يقتضي الأمر أولاً تعديل طريقة تعاملهما مع طفلهما.
وإذ تحذّر الإختصاصية بدر من الأساليب السلبية التي ينتهجها بعض الأهل في تلبية رغبات الطفل، إما لقناعتهم بأن مطالبه ومهما بالغ فيها بسيطة ولا ضير من توفيرها له لإسعاده أو لتفادي تعكير مزاجه أو للحيلولة دون سماع صراخه أو بكائه. وبالتالي، سيعتاد أن يحصل على ما يريده عن طريق استخدام سلوكه السيّئ، وسيصبح مصدراً لمعاناة والديه مدى الحياة.
عواقب وخيمة
ومعلوم أن الطفل الذي ينشأ على قواعد من التراخي والتهاون والتدليل، قد يتعرّض إلى اضطرابات نفسيّة حين يصطدم بالمجتمع الخارجي أو يصبح في سنّ دخول المدرسة لأنه لن يجد من يدلّله بنفس القدر، فيعتقد أن الجميع يتحاملون عليه. ونظراً إلى أنانيته وبعده عن التنازل من أجل الآخرين وسيطرة حب التملّك عليه، سيعاني بدون شك من شعور بالنبذ من قبل أقرانه، كما أنه سيتعرّض للعقاب من مدرّسيه بسبب عدم التزامه بقواعد التهذيب وإصراره على تنفيذ رأيه وعدم استجابته لأي من التوجيهات والأوامر، فيواجه صعوبة في تكيّفه مع الأوضاع الجديدة، ممّا يضعه أمام خيارين: إما أن ينعزل ويفضّل الإنطواء أو يتمرّد ويعلن العصيان. وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر الشباب انحرافاً هم من تربّوا مدلّلين. لذا، ينبغي ألا يمنح الطفل كل ما يطلبه منذ البداية، وأن نعوّده على التنازل عن بعض رغباته ونربّيه على الأخذ والعطاء مع الآخرين.
خطّة للحدّ من الدلال
lيجب أن يتخلّى الوالدان عن فكرة أن التعبير عن الحب يأتي بالإستجابة الفورية لكل ما يرغب فيه الطفل، فلا يلجآن إلى تعويض غيابهما عنه بإغراقه بأكثر ممّا يحتاج، مع الإهتمام بالوقت الذي يقضيانه معه وإدراك مدى فعاليته.
lيجدر بالوالدين تحديد قواعد التهذيب المناسبة لسنّ الطفل. ففي بعض الأحيان، قد يكون مفيداً للطفل رفض طلبه بكلمة «لا»، علماً أن تهذيب سلوك الطفل يستوجب السيطرة عليه حتى يتعلّم كيفيّة السيطرة على نفسه.
lإلزام الطفل بطاعة توجيهات والديه، وتهديده أنه في حالة مخالفة هذه الأخيرة فإنه قد يتعرّض للعقاب، وإقناعه أن النظم التي يضعها الكبار نهائية لا تحتمل الجدل، مع مراعاة إفساح المجال أمامه للإختيار في بعض الأمور الفرعية.
lمن الضروري تعليم الطفل مراعاة حقوق الوالدين وحقوق الغير وتحديد ملكيته وملكيات الآخرين، وذلك للحدّ من أنانيته ومكافحة حبه للتملّك.
lمن الطبيعي أن يجابه الطفل حالات الرفض والإمتناع عن تحقيق رغباته بنوبات من الغضب وينفجر بالبكاء. وهنا، يفضّل إهماله مع تجنّب عقابه. وإذا لجأ إلى التذمّر بحركات غاضبة ليجذب الإنتباه كتحطيم شيء أو إيذاء نفسه، فينبغي على الأم عزله في مكان آمن حتى يهدأ. ومهما كان الأمر، يجدر بها ألا تستسلم لمطالبه، وتوضح له أن هذا الأسلوب لن يجدي نفعاً.
lيتمثّل علاج الدلال في تدريب الطفل على الإعتماد على نفسه وامتناع الأبوين تدريجياً عن القيام بكل متطلّباته الشخصية نيابة عنه (إرتداء ملابسه وترتيب غرفته...). ولكن، يمكن تقديم المساعدة له عند اللزوم، ومن المفيد إشراكه في الأعمال المنزلية وإسناد بعض المهام الخفيفة إليه ومكافأته عند أدائها بشكل جيد.
lإذا كنت ستنفّذين رغبة لطفلك فأجّليها لبعض الوقت حتى يعتاد على الصبر، ولكي يعلم أن تحقيق الرغبات ليس أمراً سهلاً. ويمكنك ربط الإستجابة لهذه الرغبة بعمل جيّد قام به.
lلا تبالغي في مديح الطفل أثناء قيامه بالعمل، فقد يجعله ذلك يتوقّع عند كل مرحلة المزيد من المديح والإطراء فيشعر بزهو وفخر لا يستحقّهما، وقد يفقد الحماسة للفراغ من المهام الموكلة إليه. فالإحساس بالإنجاز يجب أن يحصل عليه بعد بذل الجهد وتأدية العمل بكفاءة.
يجدر بالوالدين الإمتناع عن تلبية مطالب صغيرهما بصورة فوريّة
الطفل الذي ينشأ على قواعد التراخي سيتعرّض مستقبلاً إلى
اضطرابات نفسية
خطورة التدليل
أكّدت دراسة فرنسية صادرة حديثاً أن الإفراط في تدليل الطفل قد يكون أشدّ خطورة من تعنيفه بدنياً، خصوصاً إذا كان وحيداً،. وأضافت أن الطفل الوحيد يستمتع بالسيطرة على كل ما حوله إلى درجة يصبح فيها ديكتاتوراً! وقد لفتت هذه الدراسة النظر إلى أن التدليل يقضي نهائياً على فرص تكوين الإرادة لدى الأطفال، ولاحظت أن الطفل المدلّل قلق بطبعه ويستعجل الأمور ولا يستطيع الإعتماد على نفسه.
وشدّد الباحثون المشرفون على هذه الدراسة على ضرورة تنشئة الطفل بصورة سليمة من منطلق ينبذ فكرة أن كل شيء ميسّر وأن كل رغباته متاحة، ليكون قادراً على مواجهة مصاعب الحياة مستقبلا.