هو صاحب أول جريمة قتل في التاريخ... مما جعل منه أداة في يد قوى الشر والإظلام، ربما كان تكوينه الجسماني دافعا لاختياره، وحوله إلى أداة لصناعة الظلم والقهر والحروب والموت والجهل والقبح، وكانت مؤثرات كثيرة تعدّه بلا وعي منه ليحمل المنجل، فيجزّ أرواح الكائنات والطبيعة، فقد ظُلم على مر العصور من حيث فرض عليه تحقيق الظلم وممارسة أدوار لم يخطط لها، مثل القوة والشدة والعنف والسيطرة والقمع، والكثير من الأدوار القبيحة التي زُين له أن رجولته لا تكتمل إلا بها، وفي المقابل حرم من تحقيق جوانبه الإنسانية كالتداعي التام مع الحب، والخوف والجزع والبكاء، اعتقادا منه بأنها ترتبط بالجنس الآخر الناعم المسالم الرقيق الهش الضعيف.
جعل منه المجتمع كائنا مخيفا، وجافا وغليظا حتى الرعب، وحاصره بمفاهيم خلقها له خصيصا، وبمحاذير عليه كرجل عدم القرب منها، كالبكاء ورقة المشاعر، والعطف والحنان، والشفقة، ومع الزمن صدّق الرجل هذه الأفكار وتبناها وأصبحت جزءا من سيكولوجيته، بل وصار الحمل أثقل حين أصبحت هذه الأدوار تركة يتوارثها الجيل بعد الجيل، كما أن المرأة ظلمته كثيرا أيضا، فقد حملته أعباءها المنوطة بها أصلا، فاتخذت منه حارسا وخادما وسائقا، والكثير من الأدوار التي تخلت عنها، ليقوم هو –مجبرا- بها، وكان سعيدا بالقيام بهذه الأدوار التي تحقق له شروط سيطرة هلامية وقوة مصطنعة، تتلاشى أمام سحر عيونها، في هذا العصر المسمى بعصر المرأة، فلقد صدر المجتمع المرأة لكل مواقعه وفتح لها كل الأبواب للدخول، في حين أوصدت الكثير من الأبواب في وجه الرجل، ولم يكتفِ المجتمع، يبدو أن تجربة جعل الرجل في الصدارة كانت فاشلة بكل المقاييس ولن ينفع أن تكون إلى جواره، بل أن تأخذ مكانه في كثير من المواقع وإفشال كل مخططاته ومشاريعه الذكورية، كما أن فكرة المساواة لم تعد مقبولة في طرحها الأول.
تحول دوره لأدوار ثانوية كالكتابات والأفلام التاريخية أو العرض في المتاحف بوصفه تراثا، وعليه البحث عن كل الوسائل للتكفير عما سببه للكون من تدمير باختراعه أدوات الدمار من أسلحة فتاكة، وعن اتخاذه قرارات الحروب في العالم، فلا توجد امرأة واحدة في التاريخ اخترعت سلاحا، غير سلاح سحر العيون، ولا اتخذت قرارا ببدء حرب عسكرية، تأتي على الأخضر واليابس.. لذا أصبح لزاما عليه أن يتوسل للمرأة، كشريكة في الكون، أن تغفر له، وأن يقبل بأن تتولى المرأة القيادة والريادة، وأن يعترف بفشل قيادته التي استمرت آلاف القرون، وأن أحداث التاريخ تقول إن وراء كل مصيبة عظيمة رجلا.