جاء الطبيب الجرّاح الأشهر، رحّب بي، بدا ودودا راغبًا في بذل الجهد والمعاونة، أبدى لطفًا جمّا، ثم انصرف، الوقت يقترب من الرابعة، والضوء يشحب، فجأة قالت ماجدة أثناء تدفق حوارنا الهروبي:
- «جمال.. أنا خايفة».
فغدت كلماتها إلى صميمي، إلى نقطة غائرة لا يمكن تحديدها عندي، جسّدت المجهول الذي نواجهه، التهديد الذي يكمن داخلها طالني أيضا بشكل ما، إن حياتنا تهتزّ، وكل ما ألفناه مهدد، كلماتها حسمت عندي أمرًا، لم أكن متقبلا للسرعة التي تم بها الأمر، اتجهت إلى نهاية الغرفة قرب النافذة، طلبت طبيبًا كبيرًا أثق فيه، صحيح أنه متخصص في القلب، لكن لديه خبرة عريضة، كنت في حاجة إلى مشورة، إلى رأي ممن أثق فيه، للأسف كان الدكتور محمد أبو الغار مسافرًا، من أصعب الأمور الاتصال بصديقي هذا، دائمًا مشغول، لحسن الحظ وجميل الترتيب أجاب، قلت ملهوفًا: هل يمكن أن تصغي إليّ دقيقتين، قال تفضل، عندئذ رويت له بتركيز ما جرى، كان تحفظي على السرعة التي تقرر بها إجراء الجراحة، إلا أنني فوجئت به يقول إن الجراح الكبير زميله، لكنّه ليس متخصصا في الأورام، إنه جرّاح عام، ثم تدارك قائلا: إنه سيعمل بالطريقة الكلاسيكية، سيزيل مساحة أكبر من حدود الورم (يحف)، ثم أنهى كلامه: ما دام الأمر تقرّر فالتوكل على الله.
كان من الواضح أنه لا يريد مسّ زميله بأي كلام يمكن أن يُسيء إليه، لكن قوله إنه جراح عام حسم أمري، الآن أنا مسؤول عن اتخاذ القرار، ماجدة يجب أن يتوفّر لها أفضل ظروف علاج ممكنة، هذه الإنسانة التي تحملت ما تحمّلت من أجل حياتنا، حان الوقت الذي أردّ فيه بعض الجميل، تخليت عن ملامح خجلي الذي يلزمني ويدفع بي إلى مواقف التهلكة، قلت لماجدة:
«لن نجري العملية».
رويت لها ملخص الحوار الذي دار، قلت إن الفيصل ما قاله صاحبي «ليس جراح أورام»، أجريت اتصالا بالدكتور عمر، لحسن الحظ أنّه رد، رويت له ما جرى، فأيّد قراري بشدّة ودعاني إلى مقابلة الطبيب المعالج، حدد موعدًا في السابعة بأحد مقاهي المهندسين، المهمة العاجلة الآن إبلاغ الجرّاح الكبير بإلغاء الجراحة.
كنت أفكر في الصياغة اللغوية التي لا يبدو منها أي قصد للنيل منه أو المساس بإحساسه، خرجت من الغرفة، قالت الممرضة إنه في غرفة العمليات يُجري جراحة، غير أن طبيب التخدير موجود، طلبت أن أقابله، جاء الرجل، بدا هادئًا، مظهره يبعث على الثقة، إنه ابن وزير تعليم اشتهر بفضله وعمله زمن عبدالناصر، تبادلنا حوارًا قصيرًا ثم أفضيت إليه بقرارنا، قلت إننا بحاجة إلى رأي آخر قبل الإقدام على هذه الجراحة الخطيرة، قال إنه يتفق معي، شكرته كثيرا، عدت لأطلب من ماجدة ارتداء ثيابها، خرجت بعد إتمام التوقيع على أوراق لا أذكر ما حوت، لكن بعد ركوبنا السيارة رنّ هاتفي المحمول، كان أحدهم من المستشفى يطلب تسديد خمسة وعشرين جنيها قيمة سوار البلاستيك الذي نسيت ماجدة أن تنزعه وتسلّمه قبل انصرافنا، بعد وصولنا إلى المقهى عاد الحاج صلاح السائق إلى المستشفى لتسديد المبلغ، وحتى الآن يدركني رعب حقيقي كلما تذكرت إمكانية ألا يرد صديقي الطبيب الذي طلبت منه المشورة بأن تُجرى تلك الجراحة، خاصة بعدما وقعتُ عليه في نيويورك، واكتشافي خطورة ما كان يمكن أن يحدث.