تَرويض البُعْبُع في سِيرة البُرْقُع..!

 

حظر النقاب في أوروبا، يُثير شَهيّة النَّاقمين عَليها، لتَجييش العَواطِف ضدّها، وإثَارة مَشاعر المُتربِّصين بهَذه القَارَّة العَجوز، التي بَاتت تُؤرِّقها قِطعة مِن القُماش، بَعد أن كَثُر المُقنَّعون الذين يُهدِّدون أمنَها واستقرَارها، مِن خِلال استهدَاف مَطاراتها وقِطَاراتها، ورَعاياها في كُلِّ مَكَان، وقَد كَان لبَعض السِّياسيّين والإعلاميّين؛ الدّور الأبرز في تَضخيم المَخاوف مِن النِّقاب، بَعد أن أصبحت كَلِمَة «بُرقع» أكثر تَداولاً -تَحت قُبب بَرلمانات أوروبا- مِن الأزمَة الاقتصاديّة العَالميّة، وبَعدما كَثُر الحَديث عَن «البُرقع» في الأخبار؛ والمَقالات المَدفوعة بضَغينة، خَاصَّة وأن وَقْع كَلِمَة بُرقع أشد وَطأة مِن كَلِمَة النِّقَاب..!

لَكن لا أحد يَتحمَّل مَسؤوليّة مِثل هَذه الإشكَالات الدِّينيّة والثَّقافيّة؛ أكثر مِن قَادة الفِكر الإسلامي اليَوم –وإن عُدّوا عَلى الأصَابع-، فهَؤلاء ومِن دُونهم «طَلبة العِلْم الشَّرعي» – وإن زَادوا عَن الحَاجة- يَعلمون أكثر مِن غيرهم، أنَّ تَجاوز هَذا المَأزق أسهَل مِن التَّنظير الفَارغ، حَول تَمريغ أنف أُوروبا في التُّراب، وجرّها إلى بيت الطَّاعة، وتَحريض شَريحة كَبيرة مِن أفرَاد مُجتمعها، مِن خِلال حَملهم عَلى رَأي فِقهي؛ لا تُؤيّده غَالبيّة المَذاهب الإسلاميّة..!

فهَؤلاء جُزء مِن النَّسيج الأُوروبي، وعَلاقتهم وانتمَاؤهم ووَلاؤهم للدّول التي مَنحتهم الاستقرَار، والتَّعليم والتَّطبيب، أهم مِن تَصدير الكَراهية والأمرَاض الدِّينيّة، ولَيس مِن مَصلحة الإسلام ولا المُسلمين، ابتزَازهم وإجبَارهم عَلى الاختيَار؛ بين المُوَاطنة -التي تُعد مَلاذًا لَهم مِن تَعقيدات لا حَصر لَها- وبين عُمقهم الرَّوحاني الذي يَستمدُّون مِنه السَّلام الدَّاخلي..!

وكَثيرًا مَا رَأينا دُعاة التَّقريب بين المَذاهب، يُطاولون عَنان السَّماء، وهُم يَتفاخَرون بمَا أنجزوه وحقَّقوه، رَغم أنَّ ذَلك لا يَتجاوز الفَرقعات الإعلاميّة، ورَأينا كَذلك من يخوضون في كُلِّ شَأنٍ وفَنٍّ، حتَّى وَصل بِهم الحَال إلى دراسة مَسألة صَعق الدَّجاج قَبل الذَّبح، ويَجدر بهَؤلاء وغَيرهم، مِن المُهتمِّين بالتَّعايش، الذي يَقوم عَلى الاحترَام المُتبادل بين الثَّقافات والشّعوب -وليس التَّسامُح الذي يَعني تَأجيل الضَّغائن- أن يُبادروا إلى إزَالة التَّوتُّر، الذي يُهدِّد عَلاقة الأفرَاد المُسلمين بمُجتمعاتهم الأوروبيّة، عَلى أساس جَلاء حَقيقة أن غَطاء الوَجه ليس جُزءًا مِن الحِجَاب الإسلامي، الذي يُغطِّي الرَّأس، كَما تُقرِّر ذَلك ثَلاثة مَذاهب إسلاميّة مُعتبرة مِن أصل أربَعة، مِثل: «الحنفيّة والشَّافعيّة والمَالكيّة»، وإن عَزّ عَليهم شَرح ذَلك، سيَجدون -بلا شك- في فقه الضَّرورات مَخرجًا، لكَافّة المَسائل المُلتبسة عَلى المُسلمين الأُوروبيّين..!

وعَلى المُمانعات -مِن المُسلمات الأُوروبيّات- في خَلع النِّقاب أو البُرقع، مِمَّن يَتذرَّعن بالحُريّة الشَّخصيّة -اللاتي لا تُسعفهن ثَقافتهن الدِّينيّة- أن يَتذكَّرن أنَّ الحُريّة التي يَنعمن بِها في أُوروبا، مُرتبطة باحتفَاظ الآخرين بحُريّتهم، وعَدم المَساس بالرَّوابط والقِيَم «العَلمانيّة» المُشتركة، التي يَستطيع كُلّ دين أن يَزدهر فِيها، دُون أي اصطدَام مُباشر..!