المرأة المغناج.. والروج والمكياج!

محاولة المرء –وخاصة المرأة– تجميل ذاته، أمر ضارب في عروق الزمان، وأصيل في مرابع المكان، لذا عرفه الكائن الحي منذ أن عرف أن الجمال محبب إلى الإنسان!!

ولعل الأصباغ المختلفة من كحل وروج ومكياج، أخذت طريقها إلى ميدان المرأة أكثر من الرجل، وإن كان بعض الرجال يتحلون بـ«مسحة المكياج»، أو لطخة من أصباغ الوجه واللحية، تزيدهم قبحا شكليًّا بعد أن قبحوا مضمونًا!!

والمكياج في أبسط تعاريفه هو «تزوير للحقيقة»، مثلما أن التكحل سواد مزور.. لذا قال الطغرائي: «ليس التكحل في العينين كالكحل!!»، بمعنى أن من وهب سوادًا جميلاً في عينيه، ليس كمثل من جلب السواد عبر مكحلة أو قلم لرسم العيون!!

والغريب أن البشر يحاربون الأقنعة، وما هذه المساحيق والأصباغ إلا شكل صفيق من الأقنعة!!

ولعل أول من فطن إلى أثر المكياج وتزويره للحقيقة، شاعر العربية الكبير المتنبي، حيثُ أنشد حين مر أمامه ثلة من النساء البدويات ذوات الجمال «الرباني»، -كما يقول أهل المغرب- يقول المتنبي:

من الجآذر في زي الأعاريب

حمر الحلى والمطايا والجلابيب

ما أوجه الحضر المستحسنات به

كأوجه البدويات الرعابيب

حتى يقول - وهنا - شاهد المكياج:

حسن الحضارة مجلوب بتطرية

وفي البداوة حسن غير مجلوب

والمعنى أن الجمال الحضري –طارئ- مجلوب بالمكياج، في حين أن الجمال البدوي أصيل حقيقي غير مصطنع!!

ويؤكد أنه يفدي بروحه جمال هذه الظباء؛ اللواتي يتغنجن في كلامهن ويمضغنه، ولا يصبغن الحواجب.. حيثُ يقول:

أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها

مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب

والآن طغى المكياج، وأصبح ماركات وعلامات وأسماء ومسميات، وتفننت نساء القوم به، حتى اختلط حابل الجمال «النادر»، بنابل القبح «الوافر»، وتوارت «التجاعيد» خلف الأصباغ والمساحيق!! هذا ما جاء في شأن المكياج!!

ولكن -من زاوية أخرى- أليس من حق المرأة أن تظهر بالمظهر الحسن متى استطاعت إلى ذلك سبيلا؟! أولم يقل الأثر: «إن الله جميل يحب الجمال»؟!!

وفي المقابل –من زاوية ثالثة- يرى البعض أن المبالغة في المكياج واستخدامه بشكل يومي، قد أفسد الوجوه وألغى الجاذبية، حتى قال أبوسفيان العاصي:

إن النساء شياطين مزخرفة

جاءت زخارفها من كل مكياج

قد استعاروا «من الأصباغ» لطختها

فأصبح الوجه منفوخا كخراج!

في الختام.. بقي القول إن خير النساء من استغنت بجمالها عن الجمال المستورد، لذا يقول القاموس في شرح كلمة «غانية».. إنها الفتاة التي استغنت بجمالها عن وسائل الزينة!! ومتى استغنت عنها كلية صارت (سيدة الغواني)!!

وتأملوا معي قول الشاعر دوقلة المنبجي حين قال في وصف حبيبته:

الوجه مثل الصبح مبيض

والشعر مثل الليل مسود

ضدان لما استجمعا حسنا

والضد يظهر حسنه الضد!!