قال تعالى: (وَعَهِدْنَا إلي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)
هو أول بيت وضع لناس بناه أبو البشر سيدنا آدم عليه السلام بمعونة من الملائكة الكرام. وقام بترميمه خليل الله، أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام وابنه، أطهر البشر وكلفا بالعناية به وتطهيره، له مكانة خاصة عبر العصور، وله شأن مقدس في الجاهليَّة للتعبد والتقرب للآلهة، وفي الإسلام أصبحت الكعبة قبلة المسلمين، وأهتم به الخلفاء والسلاطين والأمراء والملوك، ويعدُّ من أطهر بقاع الأرض، فعند دخول الإسلام ويوم فتح مكَّة المكرَّمة تحديداً قام الرسول، صلى الله عليه وسلم، بتطهير الكعبة وغسلها من الرجس والأصنام، ليصبح غسل الكعبة المشرفة سنة نبويَّة، ومنذ أكثر من 16 قرناً أُسند أمر العناية بشؤونها وتنظيفها وغسلها وكسوتها لـ«سدنة الكعبة»، وهم من بني عبد الدار بن قصي بن كلاب من قريش، ومنهم بنو شيبة سدنة الكعبة الحاليون .
«سيدتي» التقت بكبير سدنة بيت الله الحرام الشيخ الدكتور صالح بن زين العابدين الشيبي، ليحدثنا بالتفصيل عن غسيل الكعبة المشرفة وعظمة ذلك اليوم.
بداية يحكي لنا الشيخ صالح: هذا اليوم له مكانة خاصة في قلبي لما لهذا المكان من شأن عظيم عند رب العباد، فاستعد له معنوياً وحسياً لعظمة الظرفين المكاني والزماني للكعبة المشرَّفة، فكيف لا وقد خصَّها المولى عزَّ وجلَّ بإجابة الدعوات ومساكب العبرات، ونحن وكثير من المسلمين نفرح ونستبشر بغسلها ونستشعر ما لهذه المناسبة من زيادة المهابة والتشريف، والتعظيم للبيت العتيق، كما نجهز لذلك اليوم حسياً فنحضر ماء زمزم، وماء الورد، ودهن العود، ونفائس الطيب لتطييب وتجمير الكعبة المشرَّفة.
ويضيف الشيبي: لعظمة المكان يتنافس الجميع في المشاركة بالغسيل بأنفس ما لديه، فسمو أمير منطقة مكَّة المكرَّمة، الأمير خالد الفيصل، يقدِّم هديَّة نفيسة للبيت بمناسبة الغسيل، ورئاسة شؤون الحرمين الشريفين تجهز مشكورة وتشارك بعربة خصصتها لمناسبة الغسيل فيها سقاية للضيوف ومكانس، وقطع قماش، وأوانٍ مخصصة للغسيل، وكذلك السدنة يشاركون بما يليق بالمناسبة ويقدِّم بعض الضيوف ما لديهم من هدايا للبيت.
وعن مراسم الغسيل أضاف: عند غسيل الكعبة المشرَّفة عادة مباركة سار عليها ملوك المملكة العربيَّة السعوديَّة ـ يرحمهم الله ـ وبارك الله في خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز ـ أيده الله ورعاه ـ حيث ينيبون فيها أمير منطقة مكَّة المكرَّمة إذا تعذَّر حضورهم ـ حفظهم الله ـ وتبدأ مراسم الغسيل بعد وصول سمو أمير المنطقة للكعبة ويشاركه في الغسيل السدنة، والضيوف، والأعيان ويستعد لها من قبل أسبوعين من الموعد المحدد.
أما عن الآليَّة وجهود المسؤولين في تنظيم وقت الغسيل يقول: تفتح أبواب الكعبة المشرَّفة لدخول العامَّة من الضيوف من بعد فجر يوم الغسيل إلى منتصف الضحى، ويشارك مع سمو أمير المنطقة وسدنة بيت الله الحرام، ثلة من الأعيان منهم أصحاب سمو وفضيلة ومعالي كل يمثل جهة أو دولة تحظى بشرف الخدمة في غسيل البيت العتيق.
وعن الخطوات: نبدأ التجهيزات من الصباح باكراً بتحضير أكثر من وعاء من النحاس مطلي بالذهب، تملأ بخليط من ماء زمزم وماء الورد الفاخر، والأطايب الخالصة، وتوزع قطع من القماش ومقاش «مكانس»، ومن ثمَّ يفتتح سمو أمير المنطقة ـ رعاه الله ـ مباشرة الغسيل بداية من مصلى النبي سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ثم ينتقل من ذلك الموضع مباشرة إلى جميع الجدر والأركان إلى أن يغسل جوف الكعبة المشرفة كاملا.
وعن مواعيد الغسيل يضيف الشيخ: في عصرنا هذا كان غسيل الكعبة المشرَّفة في السابع من ذي الحجة ثمَّ تغيَّر لزحام موسم الحج وللحفاظ على سلامة الحجاج والمعتمرين ليكون مرَّتين في العام، مرَّة في غرة شعبان، وأخرى في العاشر من محرَّم، ثمَّ تغيَّر بما يقتضي الحال والمصلحة للخامس عشر من محرم، وتحديد موعد الغسيل أمر يُنزل بساحة ولي الأمر ويوجه فيه بما يتوافق مع سلامة زوار البيت الحرام بعد التشاور مع جهات معنية عديدة.
أما عن مصير كسوة العام الماضي للكعبة فحدثنا الشيبي: كانت كسوة الكعبة المشرفة القديمة تؤول للسدنة بعد تغيير أثوابها، ثم ارتأت القيادة ـ رعاها الله ـ أن تعوِّض السدنة وتقوم بإهدائها لضيوف المملكة، ولبعض الجهات حول العالم بما يقتضه الحال.