أنا آسف


كلنا نذنب، وكلنا نخطئ، وكلنا تأتي علينا لحظات نُقبل فيها على الله بكل ثقلنا، ومرات تُلهينا الحياة فندبر عن التعمق بصلتنا بخالقنا، وتمر علينا أوقات نحذر من تصرفاتنا وأحيانًا تتملكنا الغفلة، فالسهو والتقصير من طبع البشر، ونحن لسنا معصومين، وقد قال عليه الصلاة والسلام «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»، ولابد لنا أن نعوِّد أنفسنا على ألا نصدق كل ما يقال لنا قبل أن نستفسر ونتأكد من مصداقيته، وأن نعي بأن الناس يتعاملون بعواطفهم أكثر من عقولهم، والأخطاء لا يمكن أن تعالج بين يوم وآخر، ولا تعالج من خلال إصدار قرار، لكنها تحتاج منَّا إلى جهد ومثابرة ومراجعة، والأهم من كل ذلك أن يكون التغيير نابعًا من قناعاتنا ورغبتنا بالتعديل، وأن ندرك أن مراجعة الأخطاء وتصحيحها يحتاج إلى اعتدال وموضوعية على كافة المستويات، وأن نتعامل معها بذكاء وحكمة ونظرة إيجابية، وأن نتذكر أخطاءنا تجاه الآخرين، وأن نتحلّى بالصبر على الناس وعلى أخطائهم وعلى أنفسنا قبل ذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أعظم أجرًا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»، فليس من الإنصاف أن نحكم على غيرنا من كلمة تقال أو موقف رأيناه أو عبارة سمعناها.. فالنفس قد تهدأ، لكن يبقى الأثر في الأعماق، فلنبادر بالمصارحة ونقدم بشجاعة حتى ينكسر الجدار بيننا وبين الآخرين وذلك أفضل بكثير من تراكم الكراهية، ولندرك مدى تأثير الكلمة الطيبة، وأن نتفهَّم دوافع الآخرين ونمنحهم حسن الظن، ونبرر لهم أخطاءهم ونلتمس لهم العذر، ونتغاضى ونتغافل عن بعض تصرفاتهم، مما يساعد ويساهم في تجاوز الأخطاء وتداركها، فأحيانًا لا يشعر المخطئ بأنه أخطأ ويظن نفسه على صواب، فعلينا قبل أن نلومه أو نعاتبه أن نزيل الغشاوة عن عينيه ليعلم أنه على خطأ، وأن نتقبل من يخطئ حتى نتمكن من معالجته بصبر وحب وتسامح؛ لأن لومه في الغالب قد يحطم كبرياءه، ولا يأتي بنتائج إيجابية، وكلنا لا نحب من يوجه لنا اللوم، فلابد أن نكون منصفين حتى في نقدنا لهم، ولا نكثر من عتابهم وتوبيخهم، فقد يسبب ذلك لهم ألمًا أعمق أثرًا من الخطأ نفسه، وفي بعض الأحيان حينما نرتكب أخطاء في حق الآخرين، وقد تكون من دون قصد منا، لا نصدق أننا كنا بتلك القسوة والانفعال ونعود بعدها نندم على عدم قدرتنا بالتحكم في أعصابنا، ونظل نبحث عن أي مبرر لنرتاح من وخز الضمير، لكننا لن نرتاح حتى ترجع المياه إلى مجاريها، فكيف يا ترى سيكون تصرفنا حيالها؟ وما مدى معرفتنا بفن الاعتذار؟ وماذا نعرف عن مقوماته وشروطه؟ ففي بعض المواقف لا تفي كلمة آسف بالمطلوب، ولابد أن يتبعها شرح أو تفسير وتعليل لما حدث من سوء الفهم، فالقدرة على النظر إلى الموقف والشعور به كما يراه الطرف الآخر وتفهم وجهة نظره والشعور بمعاناته والامتناع عن إصدار حكمنا من دون تعقل، أمور مطالبون بأخذها بعين الاعتبار حتى يكون للاعتذار قيمة، ولا يبنى على مبررات وأعذار واهية ولا بطريقة فظة، وكأننا نعاتب لنجرح وليس لنداوي ونزيد الأمور تعقيدًا، فانتقاء الألفاظ مهم جدًّا، والأهم تحمل المسؤولية إذا كنا حقًّا مخطئين، وأن نوقن بأن الاعتذار لا يقلل من قيمتنا، فلا نلقي اللوم على الغير أو على سبب بعيد عن أصل الموضوع، وحتى نسترجع ثقة من أمامنا لا بد أن نعترف أمامه بخطئنا، قال عمر رضي الله عنه في موقف أمام الصحابة: «أصابت امرأة وأخطأ عمر»، فاستخدام العتاب الخالي من الكراهية والشماتة والاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه أمور لا بد من التدريب عليها، كما أن المصارحة والمعاتبة والاعتذار أمور لابد أن نروِّض أنفسنا على ممارستها بقلب خالص ونية سليمة قائمة على التبرير المقنع والاعتذار بنفس طيبة، فلا نتردد في البدء بالمصارحة وتوضيح تصرفاتنا أو الاستفهام عن أي أمر قد تضيق منه صدورنا، ولا نسكت أو نؤجل ما قد نشعر به من ظلم، والبعد عن كل ما ينغص علينا حياتنا، أما القيام بتخزين ما نعانيه بداخلنا فيجعل قلوبنا تنبض بالكره، وتتجلى قمة الأخلاق ليس فقط بالتخلي عن رد الإساءة أو بالصمت والتسامح مع من أخطأ، لكن بالعفو والإحسان، ويستلزم ذلك إيمانًا صادقًا،{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.