أخطاء بالجملة
سيدتي أنا أم لابنة وحيدة متزوجة. أنا وزوجي ندعم ابنتنا ماديا ومعنويا؛ لأنها غير محظوظة في زواجها. زوجها لا يتحمل المسؤولية، ويسافر كثيرا، تاركا إياها لفترات طويلة، قد تمتد إلى عام كامل، بدون أن يشارك في تربية ولديه منها. فهي تقوم بدور الأب والأم معا.
مؤخرا، وبالصدفة، اطلعت على بريد ابنتي الإلكتروني؛ لأنها كانت قد تركته مفتوحا، وهالني أنها تراسل رجلاً آخر. صدمت واسودّت الدنيا في عيني؛ خوفا على الأسرة من الفضيحة، وخوفا من أن تحرم ابنتي من ولديها لو انكشف الأمر. ترددت كثيرا قبل أن أطلب مشورتك. لو أنني أخبرت ابنتي بما اكتشفت قد يشتعل غضبها وعنادها، وأفقد ثقتها. أريد أن أنصحها؛ لأني لا أرضى بأن ترتكب ابنتي الخطأ والإثم، وأخشى عليها من نفسها. فما هو الحل برأيك؟
عزيزتي لقد أخطأت مرتين؛ المرة الأولى حين سمحت لنفسك بالاطلاع على بريد ابنتك، فهذا تجسس لا يجوز. ولو أدركت ابنتك أنك أقدمت على هذا الفعل فسوف تخسرين ثقتها، وتخسر هي إحساسها بأنك أم تقتدي بها ابنتها. الخطأ الثاني هو رغبتك في التدخل باسم الأمومة في أمر لو أميط عنه اللثام فسوف يؤدي حتما إلى الكثير من التوتر بينكما. ابنتك بالغة رشيدة، وقد عكفت على تربية ولدين، ولذلك فهي حتما تدرك أن الدخول في علاقة، كتلك التي وصفت، يعرض أمومتها وسمعتها للكثير من الخطر. الحياة رحلة تعلم، ولو أخطأ الإنسان يتحمل نتيجة الخطأ بطرق مختلفة. وما يشغلني هو رغبتك الملحة في إسداء النصح فيما يتعلق باحتمال الخطأ، بينما لم تحاولي ولم يحاول والدها أن تصلحا شأنها في الزواج، حتى تشعر بدعمك ودعم والدها، بما يشعرها بأن الاستمرار مع الزوج اللاهي عن حقوقها ممكن بإرادتها، ولكنها إن شاءت البحث عن فرصة أخرى في الزواج فهذا أيضا حق منحها إياه الشرع. لو شعرت يوما بأن لها اختيارات لما أخطأت الطريق إلى المطالبة بحقها الإنساني. نصيحتي أن تهتمي بتبديد مشاعر الوحدة التي تعتري ابنتك. كوني لصيقة بها، وشجعيها على الفضفضة، ويمكنك توصيل النصيحة بلطف وبأسلوب غير مباشر. وأشعريها بأنك متفهمة، ومتعاطفة، ومقدرة قوة احتمالها. ويجب على زوجك أن يفاتح الزوج بشأن حقوق زوجته؛ لكي يصحبها في سفره هي وولديه. وإن لم يستجب فتخيّر الابنة بين الصبر الجميل أو الانفصال، إن شاءت، وفرصة زواج أخرى.
إذا عرف السبب
سيدتي أكتب لك وأنا في أمسّ الحاجة لقراءة ردك على مشكلتي، لقد وضعت طفلتي قبل بضعة شهور، ثم أصابني اكتئاب ما بعد الولادة، لم يكن زوجي بالقرب مني؛ لأنه كان مسافرا في رحلة عمل، ولم يقبل أن يأخذني معه؛ لأنني وَلدتُ حديثا حين كُلف بالسفر... عاد زوجي من رحلة العمل، وبقي معي لمدة أسبوعين، ثم قال لي إن عمله يقتضي سفره مرة أخرى. حزنت كثيرا وازدادت حالتي سوءا، وبدأ الاكتئاب بالتوغل عندي إلى حد الاختناق، وحاولت استعطافه وتوضيح مدى احتياجي له في هذه الفترة، ولكن بلا جدوى، مع العلم بأن بعض زملائه الذين سافروا اصطحبوا أسرهم معهم.
بعد سفره بأيام، تدهورت حالتي النفسية، حتى إني ذهبت لطبيب أمراض نفسية، ووصف لي دواء مضادا للاكتئاب. أحاول الآن أن أخرج نفسي من هذه الحالة؛ لأني أم لأطفال صغار، ولكنني أشعر بحزن عميق وغضب تجاه زوجي؛ لأنه تركني في هذه الحالة، وفي أشد أوقات احتياجي له دون سبب مقنع.. أريد أن أسامحه، ولكنني لا أستطيع؛ لأنني أشعر بأنه أناني، وأراد أن يهرب من المسؤولية وأن يستمتع بوقته بعيدا عن اكتئابي ومرضي. أرجوك انصحيني.
عزيزتي أولا ليس الحل هو دواء مضاد للاكتئاب؛ لأنك قد تتعودين عليه، ولأن الدواء لا يعالج جذور المشكلة، وإنما يعالج أعراضها، وإن كانت الطفلة عمرها بضعة شهور، فأنت بتعاطيك الأدوية تفرضين عليها الأدوية عبر لبنك، إن كنت ترضعينها رضاعة طبيعية.
وبما أنني لا أعرف زوجك ولم يخاطبني، لكي يدرأ عن نفسه الاتهام، فسوف أكتفي بالكلام عنك أنت، أولا أنت لست آلة وترية بانتظار العازف لكي تخرج أنغامها، أنت كاملة الأهلية. عشت مراحل الحمل والولادة وآلام السهر والتعب على الولد، يعني إنسانة قوية متينة، ومستقلة، ومسؤولة عن أطفال صغار، سوف تسألين عنهم أمام الله. حتى لو كان الزوج أنانيا، هل معنى ذلك أن نستسلم ويموت حب الحياة والاعتراف بالنعمة في قلوبنا؟! كلا وألف كلا. عندك أولادك، وعندك أهلك، وصديقاتك، وبيتك، وإرادتك، وبإمكانك خلق الحياة التي تناسبك وتدخل البهجة إلى قلبك في غياب زوجك. ليس الرجل كالمرأة، ربنا وضع في قلوبنا الرحمة نحو الولد، والرجل لا يشعر بأبوته إلا بعد أن يكبر الطفل قليلا ويتعرف عليه، وأغلبية الرجال لا يطيقون الإحساس بأن الوالدة والطفل ينالان من اهتمام الآخرين أكثر مما يناله الرجل بعد أن تلد زوجته، ثم لا تنسي أن الأسابيع الأولى بعد الولادة هي مرحلة يشعر فيها الرجل بأنه مطرود من فراش الزوجة، ولا وظيفة له في رعاية الوليد، وأن التهاني والتشجيع كلها تصوب نحو الأم والطفل، وبعض الرجال جبان معنويًّا، لا يريد أن يعبر عن سخطه؛ لأنه سخطٌ مشروع، ولكنه طفولي، فيلوذ بالفرار، لا كراهية لامرأته، وإنما طلبا للنجاة من تلك المشاعر التي تهزه وتهدده. هل تتصورين أن مصاحبتك له في السفر إلى بلد غريب، ومعك أطفال صغار، سوف تبدد همك أم تضاعف إحساسك بالغبن؟! لأنك ستكونين في بلد غريب، والتسهيلات المتوافرة لك في وطنك لن تكون متوافرة وهو عنده منفذ العمل وزمالة الأصدقاء، بينما تكونين أنت محبوسة مع أطفالك، فيزداد سخطك، وتطالبينه بأن يسري عنك ويسليك، فتبدأ سلسلة جديدة من المشاكل.
يجب أن يكون ردك على أنانيته أن يراك سعيدة، ومكتملة في غير وجوده، وإنما بدون «غلط»؛ يعني واجباته محفوظة، وغيبته محفوظة، ولا عتاب ولا «تبويز»، بحيث إنه تدريجيا يسأل نفسه: كيف تكون بهذا الاكتمال؟ سوف يجد نفسه مدفوعا بالفضول أولا، ثم بالرغبة في وصالك؛ لأن الإشعاع الصادر منك سيكون إيجابيا لا جالبا للنكد والشجار.
حين تقرئين هذه السطور قد تتساءلين: هل فوزية دائما في صف الرجل ولا تلومه على شيء؟ أقول لك: أبدا أنا في صف الحق، ولكن لأني أعرف ديناميكيات المجتمع أبذل النصيحة التي تصلح أمور السائلة، بدلا من التحريض على الثورة؛ لأن الثورة على وضع كوضعك ليست ثورة عاقلة؛ لأن البديل ليس أفضل.
اسألي نفسك: هل حياتك مع هذا الزوج أفضل من حياتك بدونه؟ أجيبي بصدق، واستفتي قلبك.
من يأكل الحصرم
سيدتي أنا فتاة عربية في السابعة عشرة. أعيش صراعا داخليا قاسيا، بسبب انعدام المودة بين أبي وأمي. فقد انفصلا بالطلاق قبل عشر سنوات. وكنت أنا الابنة الكبرى من بين طفليهما، فحكم القضاء لأمي بالحضانة. واختطفني أبي وسافر بي إلى بلد آخر، بحيث انقطع كل اتصال بيني وبين أمي وأخي. وزعم أبي لأمي أنني لقيت حتفي في حادث سيارة. وتربيت في كنفه، ولم يخبرني بأن لي أما وأخا إلا قبل بضعة شهور، ربما بسبب تأنيب الضمير، ولكنه منعني من الاتصال بهما لأسباب يعرفها هو. وربما لم يخبرني بالحقيقة؛ لأننا كنا نستعد للعودة إلى الوطن، وكان من المحتمل أن أعرف الحقيقة من مصدر آخر. المشكلة هي أنني لا أكف عن التفكير في أمي، وأتمنى أن أراها، وأفكر في الهرب من أبي، والبحث عن أمي لكي يلتم الشمل. ولكن بما أنني لا أعرف ظروفها، ولا أعرف كيف ستكون ردة الفعل، أخشى من الفشل، وأدرك أنني لو فعلت ما أفكر فيه لن يسامحني أبي، وقد أجد نفسي بلا مأوى. أخشى على أمي من الصدمة، وأخشى من عذاب الضمير. كيف أتعامل مع ظروفي؟
الحائرة شاهة
عزيزتي لا أريد أن أظلم والدك، ولكنه أقدم على سلوك لا يرضي الله والناس. لقد حرم أمّا من طفلتها، وحرم طفلة من أمها، في مرحلة تكون فيها الطفلة بحاجة إلى توجيه الأم وحنانها. تفكيرك في الهرب هو تفكير انتقامي، لا ينم عن نضج أو شجاعة. من حقك أن تواجهي أباك بمشاعرك، ومن حقك أن تتواصلي مع الأم التي حرمت منها وحرمت منك. كما أن خوفك من ردة فعلها ليس واقعيا، بإمكانك التمهيد للقاء، إما بواسطة الأقارب، أو بتحرير رسالة تخبرها بما حدث، وبأنك الآن تتمنين أن تعوضي ما فات. إن الله شرع الطلاق كرحمة للناس، وأوصى بأن يكون الفراق بمعروف والتسريح بإحسان. غير أن الرغبة في التنكيل بالطرف الآخر تورث العناد، وتؤدي إلى ظلم كبير. ما فات قد فات، ولو أنك واجهت والدك وطلبت منه أن يسهم في إصلاح ذات البين قد يلين، خصوصا بعد مضي عشر سنوات على الطلاق.