كان يجب أن تكون لحكايتنا نهاية، فكل شيء له نهاية، وكان يجب أن تنتهي هكذا: أن يذهب كل منا في طريق، فأنت كنت اثنتين: واحدة في خيالي والأخرى معي، وكانت المرأتان على طرفي نقيض.
الملكة المتوجة، تمثال الحسن البديع، لم تكن إلا امرأة عادية، أحيانا سوقية، تجيد «الردح» والسلق باللسان، أنانية، مادية، شرهة للمال والكسب والقوة والهيلمان؛ لكي تتفاخر على الأخريات، وتتحدث بسوقية وابتذال عما تملك من ذهب، وفساتين، وثلاجات، وسيارات بسائقيها...إلخ إلخ.
أما التي في خيالي فقد عاشت بمعجزة عامين، صمدت فيهما أمام الحقيقة السافرة، لا أدري كيف، كيف عشت مخدوعا عامين؟ هل كنت أخدع نفسي؟ أغمض عينيّ بإصرار سفيه أمام الوجه المسرف في أصباغه، الذي تلمع في عينيه قسوة، ويشع منهما طمع ونهم، بل جشع.
لا أغفر لنفسي أبدا أني أعطيتك الفرصة -برومانسية حالمة ومصرة على التشبث بالوهم- أن تطعنيني غدرا، وفي غفلة مذهول كانت كل الحقائق تدعوه أن ينتبه، لكنه رفض التخلي عن تلك التي أنشأها إنشاء في خياله، وأسقطها على أول عابرة؛ لتتلبس جسدها فتصير من لحم ودم.
في الواقع، كان ما فعلت منطقيا، يجب أن يتوقع حدوثه -بل حتميته- من يقرأ شخصيتك بواقعية، فإن هجرك لي من أجل من هو أغنى وأكثر نفوذا، شيء يتفق تماما مع أنانيتك، وطمعك وطموحك للتملك والتفاخر والتباهي، والتفوق على صاحباتك فيما تلبسين وتركبين وتملكين وتأمرين.
وإني لألوم نفسي الآن على أني حزنت على فراقك، وكان هجرك صدمة لي، كما يصطدم السائر مغمض العينين بشجرة كان سيتجنبها بمنتهى السهولة لو كان ينظر أمامه.
ولا أدري من منا يحمل الذنب الأكبر، من وجّه الطعنة، أم من فتح صدره وكشف عن موضع قلبه لكِ دون أن يرى الخنجر؟
على العموم كلها أشياء مضت، وأنا الآن اكتسى قلبي وذاكرتي من ركام الذكريات،
من الأشياء التي وجدتها أثناء تطهير البيت، صورة لك، وأخرى جمعتنا معا، في الأولى تنظرين للكاميرا مبتسمة في خبث، كنت أقرأ الخبث في بسمتك ذكاء وشقاوة طفولية! أما في الثانية فكنت أنظر لك في هيام، بينما أنت تبحثين بعينيك عن شيء لم أكن وقتها أعرف ما هو، لكنني أعرفه الآن، تبحثين عن صديقي الأغنى مني الذي كنت أنتظر قدومه.
إني أرثي له الآن، أرثي له وأتشفى فيه، لقد طعنني وهو الصديق، ولكنه تلقى جزاءه حين هجرته، وتزوجت برجل ثري ذي نفوذ وقوة وهيلمان.
يبدو أن صديقي كان مثلي، من النوع الذي يخدع نفسه بنفسه، ماذا رأينا فيها معا؟ يظهر أنها كانت وعاء فارغا مزخرفا يغري بصب الشراب فيه، فملأناه نحن بما في نفوسنا نحن من جمال.
أما النهاية الثالثة فهي أن الرجل الثري ذا الهيلمان سئمك ولفظك بعد عام، لقد كان رجلا يسير مفتوح العينين، أحب حسنك وتلهّى به زمنا حتى سئمه، فتخلص منك كما يتخلص من طبق ورقي عليه الآثار اللزجة لوجبة شهية.
إنه لم ينخدع فيك يوما، كان يعرف منذ البداية طمعك وطموحك فاستغلهما ليخدم غرضه هو، وحين انتهى منه انتهى منك، هؤلاء الواقعيون هم المنتصرون دائما، العمليون يحصدون ثمرة العمل وثمرة كل شيء، إن هذا النوع هو الوحيد الذي يصلح لك وتصلحين له، وكان زواجكما عقدا لم يفتك أن تستفيدي منه –إن تم فسخه- بمؤخر صداق كبير.
أنت الآن تعيشين وحدك، حصدت من المال الكثير، ومن دفء القلب القليل، ومن السنوات خمسين بلا زوج ولا أولاد... لا شيء، إلا مغامر صغير يحوم حولك، ورغم أنك تستحقين، فإني أحذرك منه، فلا أحد يتمنى لأحد من ذكر أو أنثى ذلك المصير الأليم: أن تسقطي في شيخوختك في براثن شاب بلا ضمير، يجردك من كل شيء ويمضي.
إن الغدر قبيح، حتى لو كان بأعدائنا، والخنجر المغروس في القلب جريمة ومأساة لا أتمناها حتى ليد طعنتني منذ زمان بعيد.
لذلك لزم أن أحذرك.. والسلام