مرض العصر
سيدتي
أنا سيدة في الثلاثين متزوجة وأم لطفلين. لا أعرف كيف أبدأ رسالتي لكي أكشف لك عن حيرتي في زوجي. تزوجنا عن اقتناع ولا توجد في حياتنا مشاكل كبيرة. ولكن الحيرة بدأت حين علمت أن زوجي له علاقات متعددة، ومنها واحدة جنسية على الإنترنت. فوجئت بأنه يتقرب منها بقوله إنه لا يحبني، وإنه تزوج مني؛ لكي ينجب أولادا. كلامه معها سبب لي جرحا كبيرا في العمق. المصيبة هي أنني عرفت ذلك كله بعد شهور من الزواج، وكنت في حالة حمل بطفلي الأول. وفي ذلك الوقت تصرفت بهدوء وفاتحته في الموضوع، وقلت له: إنني عرفت ما يجري. وسألته لماذا تزوجني وهو لا يشعر بالحب نحوي. ورد علي بأنه معترف بالخطأ واعتذر وطلب مني السماح. وأقسم لي بأنه لن يكرر ما فعل. وادعى أنه يعتبر ما صدر عنه نوعا من المرض. سامحته بشرط أن يكون صريحا معي، وأن يطلعني على كل ما يفعل، وإلا فلن أتسامح معه مرة أخرى.
ومرت سنوات، وكنت أرى منه بعض الأخطاء، وأسأله لماذا لا يطلعني على رسائل الجوال التي تصله، وكان يرد بأنه لا يريد أن يسبب لي أي إزعاج، وبأنني أصبحت كل ما يهمه في حياته.
الحقيقة هي أنني لا أثق به تماما رغم أنني أتعامل معه، وكأنني أثق به كل الثقة.
ما أعيشه حاليا يرتبط بالظروف السياسية في بلدنا، حيثُ إننا اضطررنا لمغادرة الوطن بسبب الظروف غير المستقرة حاليا. وقد تيسرت لنا الهجرة إلى بلد مجاور بسبب مساندتي لزوجي ماديا ومعنويا. ولكنني اكتشفت أنه عاود الاتصال بامرأة كان على علاقة سابقة معها بذريعة طلب معلومات منها عن بلدها الذي نحن متجهون له. ولقد أخبرني بالاتصال بعد أن تم لا قبله.
حاليا أنا في حيرة شديدة أتساءل: هل هذا زوج ينبغي أن أهاجر معه من بلدي بعيدا عن أهلي؟ أشعر بخيبة أمل كبيرة، وأتمنى أن أجد نصيحة تريحني.
عزيزتي كلاكما يعيش حالة عدم استقرار وعدم أمان بسبب الظروف المحيطة بكما. فتخيلي كم الإحساس بعدم الاستقرار الذي يجربه أطفالكما بدءا بترك البيت الذي ألفوه، ومرورا بطغيان التوتر الذي يشوب علاقة الأبوين.
ربما كان اتصال زوجك بتلك المرأة لا يخرج عن تمسك الغريق بقشة. فهي مواطنة من مواطني الدولة التي اخترتم التوجه إليها. وليس معنى اتصاله بها بعد انقطاع طويل أنها سوف تركض نحوه، وكأنه الرجل الوحيد على الأرض. فهو لاجئ سياسي في بلدها سوف تشعر بالتفوق عليه، وبأنه فقد بريق المجهول الذي يبني الخيال المريض حوله قصورا وأساطير.
وبما أنه صارحك يجب أن تكوني حكيمة في رد الفعل. يجب أن توحي لزوجك بأنكما الآن في قارب واحد، وأن اليسر من عند الله وليس بيد امرأة ربطته بها علاقة سابقة، وبأن تلك المرأة قد تكون الآن زوجة أو أما، وأنه يجب عليكما أن تتمنيا رضا الله؛ لكي تتوفر لكما الحماية والاستقرار.
أما سؤالك عما إذا كان هذا الزوج يستحق أن تهاجري معه، فأقول لك: إنه والد أطفالك، وإنه مادامت هناك فرصة للإصلاح فلا يجب أن تفكري في فصم عرى الزوجية إكراما لولديك. لن أحاول أن أسفه مشاعرك، أو أن أقلل من عمق الجرح الذي تشعرين به، ولكني أناشدك أن توظفي كل ما حباك الله به من رحمة وحكمة في خلق قاعدة مستقرة للحياة بينك وبين هذا الزوج. رسالتك أقنعتني بأنك أنت الطرف الأقوى، وعلى الأقوى أن يمد يد الرحمة للضعيف. ذكريه بنعمة الله عليه بإشراكه في تربية أولاده، ولا تفوتي فرصة لا تذكرينه فيها بأنك زوجة وفية، وأن المستقبل أفضل من الماضي لو تمسك بالإيمان واستغفر عن الماضي. شجعيه على التقوى لا بالوعظ، ولكن بالقدوة الحسنة وبالود والتسامح.
إنها تجربة قد تنجح وقد تفشل، ولكنها حتما تستحق أن تخوضيها من أجل حياة مستقرة لك ولأولادك.
الحرب والسلام
سيدتي
ما يحدث في وطني ليبيا لا يمكن أن يتصوره عاقل. حياتنا في ظل الظروف الرهيبة هي أسوأ ما يكون. بيوت أسرتي كلها تهدمت؛ ولذلك خرجنا تحت وابل القتال العنيف ننتقل من مدينة إلى أخرى. كنت قبل اندلاع القتال أعيش تجربة صعبة مع زوجي؛ لأننا لم ننجب رغم مضي سنوات على الزواج. وكان زوجي يرفض فرصة العلاج تماما. المهم هو أنه كان قد وافق على أن أستشير طبيبا في مدينة مجاورة للمدينة التي نقيم بها، وسافرنا قبل بدء القتال بأيام. وأجرى لي الطبيب فحصوات بالمجهر، ولم يجد عائقا عن الحمل، وطلب من زوجي إجراء بعض الفحوصات الخاصة، ووعد بإرسال النتائج لنا في أقرب وقت بدلا من الانتظار، حيثُ إن زوجي كان متعجلا في العودة بسبب عمله. وعدنا لنجد أن بيتنا سرق ونهب كل ما فيه من متعلقات. ومنذ العودة كان زوجي حزينا وكنت أهون عليه، وأؤكد له أنه مهما كانت الظرو ف، ومهما كانت نتائج الفحص فإنني لن أتأثر؛ لأن السعادة التي بيننا لن يبدلها شيء. وفوجئت به ينهار ويعترف بأنه لم يجر الفحوصات التي نصح بها الطبيب. فتمالكت نفسي، وقلت له إن العمر مازال طويلا إن شاء الله. وحاولت أن أسانده. كنت ألاحظ أنه لا ينام نوما عميقا.
وفي أحد الأيام استيقظت ولم أجد له أثرا. اتصلت به فلم يجب، وغاب أكثر من أسبوعين إلى أن علمت أنه توجه إلى المدينة التي يقيم فيها أهله، وأنه لا يعود إلا للنوم فقط. بعدها تأكدت أنه هرب إلى غير رجعة حين راجعت البنك، وأدركت أنه سحب كل ما أمتلك من رصيد ولاذ بالهرب. في تلك الأثناء كانت ظروف القتال تسير من سيئ إلى أسوأ. شعرت بأنني بلا سند وسط صوت الصواريخ وأخبار الخطف والاغتصاب. كنت أعيش صدمة وأتساءل: لماذا آثر أن يخون؟
هل هرب لكي يعذبني أم لأنه أجبن من أن يواجه مشكلة عدم قدرته على الإنجاب؟
بعدها اتصل بي وقال إنه يأسف؛ لأنه غير قادر على مواصلة الحياة معي. فطلبت منه أن يتمهل؛ حتى يرتاح نفسيا قبل اتخاذ أي قرار. ولكنه أصر بل وقال: إن ما أخذه من مال هو حق له وإن المحاكم بيننا. شعرت بأنني أتكلم مع عدو لا مع حبيب شاركني الحياة. شعرت بأنني أموت بيد من أحببت. لا أعلم ماذا أفعل. ولا يمكنني التمسك بأي شأن قانوني في ظل الظروف القائمة. لم أخبر أهلي؛ لأن إخبارهم في مثل هذا الوقت سيكون قاسيا، خاصة وأن الأسرة كلها فقدت منازلها وتجمعت في بيت واحد. ثم إنهم لا يعرفون من علاقتي بزوجي إلا الطيب.
الموت حولنا والمستقبل قاتم وأنا أشعر بأنني ريشة في مهب الريح. الضغط رهيب، وأخشى أن أفقد عملي بين ليلة وضحاها. أسألك ما هو السبيل؟
عزيزتي الحقيقة هي أنك تمرين بمحنة هي أقسى ما صادفني منذ زمن طويل. ولكني أعلم يقينا أن تجاوز المحن يصهر معدن الإنسان ويقويه. لقد عرضت عليّ المشكلة من وجهة نظرك، وتظل وجهة نظر زوجك غائبة. لا يمكن أن يكون هروبه خيانة خالصة، وإنما هي إحساس باليأس التام، أو عجز عن مواجهة أمر ما ظل غائبا عنك طوال حياتكما معا.
مالم أفهمه هو لماذا اعتبر المال حقا له، وكأنك لست شريكة بالنصف على الأقل، حيثُ إن كليكما يعمل. ولا يعقل أن تتغلب عليه الأطماع إلى هذا الحد، وهو يعلم أنك وحدك وسط ظروف شديدة القسوة.
إن كان مصرا على فراقك فسوف يفارقك، خاصة وأن ظروف الحياة في وطنكما أصبحت في حالة اضطراب كامل. ولكني أنصحك رغم قسوة النصيحة بأن تطلعي أهلك على ما يجري في حياتك. أهلك هم سندك مهما كانت الظروف، وسوف يتفهمون ما حدث بلا حاجة إلى تفسير؛ لأن الظروف تدفع بالناس إلى حافة الجنون، وقد يفسرون سلوك زوجك بأنه جنون طارئ بلا احتياج لتفسير آخر. وربما قدروا موقفك، ووجدت بينهم أخا أو أختا يمكن أن تلحق بك حيثُ تقيمين مادام العمل مستمرا؛ حتى لا يضاف إلى أعبائهم عبء جديد.
المهم في الأزمات أن يتمسك الإنسان بإيمانه، وأن يحتفظ باليقين بأن الله يرى ويغيث ويحمينا من كل الشرور. ادعو الله أن يخرجك من دائرة اليأس وأن يعوضك خيرا عما فات.
ردود خاصة
تسنيم أ-
لبس كل ما يلمع ذهبا. اعتراضي على هذا الارتباط لا علاقة له بفارق العمر بينكما. ولكن ما بدر منه نحو المرأة التي شاركته السنوات العشر الماضية لا يبشر بخير.
عبد المطلب م-
لا تحمل على صاحبك. فتش عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى نشوء المشكلة. النفوس الضعيفة لا تحترم وعدا ولا تحفظ عهدا.