أحب نفسي أكثر

من منّا لا يحب أن يكون غنيًّا وينفق ببذخ؟! وأكيد أنا من تلك الفئة الكبيرة التي تعشق المال، فكيف لا أحبه ووجوده في حياتي سيريحني من ثقل الاستيقاظ مبكرًا ومن ثورة العمل والانفعالات المصاحبة له التي تمتد حتى نهاية اليوم؟! العمل الذي حرمني من متعة النوم والراحة، وأبعدني عن دائرة علاقاتي الاجتماعيَّة. نعم أحبه ولِمَ لا؟! فالمال لن يجعلني أحمل هم تسديد أقساط السيارة، وإيجار المنزل، وتسديد فواتير الهاتف والكهرباء، وشراء الأجهزة، وحتمًا لو كنت أمتلكه لما احتجت للتفكير في راتب الخادمة والسائق ولا في الكماليات ولا الثانويات والنثريات، كيف لا أحب المال وهو ما سيجعلني لا أفكر لحظة في البحث عند التسوق في الأماكن الأقل سعرًا، ولن أحتاج أن أسأل من هنا وهناك عن مشتريات توفر لي مبالغ تنفعني في احتياجات أخرى، ولن تدعني أطيل التفكير في احتياجات أبنائي؛ لأنَّ كل طلباتهم ستكون مجابة.

 لو كنت أمتلك المال لما فكرت أين أقضي إجازتي التي أنتظرها بفارغ الصبر، وأحاول ترتيبها بأقل المصاريف؛ لأتمكن من أخذ قسط من الراحة، فبالمال الوفير لن أرهق نفسي بالاستمرار في تنظيم ميزانيتي، التي قد تتجاوز مراجعتي لها مرتين أو ثلاثًا يوميًّا لشطب وحذف وإضافة المستجدات من الأمور الطارئة. نعم أحبُّ أن أمتلك الكثير والكثير من المال، لكنني أحبُّ أكثر من المال مشاعري وأحاسيسي، ولن تتمكن مغريات المال الكثيرة من حرماني من شعوري بالأمان العاطفي قبل المادي، فما فائدة أن أمتلك ثروة مالية ولا أشعر بحبّ وحنان وعطف من حولي؟! كيف أتذوق طعم الراحة النفسية وأنا لا أمتلك من مقوماتها إلا المادة؟! فمن وجهة نظري هناك فرق بين السعادة الوقتية والسعادة المستمرة، والسعادة التي أقصدها هي السعادة الدائمة التي لا تشترى بالمال، فهي هبة من الله، وهي تمنح ولا تؤخذ، فالإنسان من طبعه لا يرضيه ولا يقنعه شيء، فهو دائم التطلع إلى ما يفوق إمكاناته، فإذا امتلك ألفًا تطلّع لعشرة، وإذا امتلك شقة تطلّع ليلا، ولو امتلكها أراد قصرًا.

صحيح أنَّ المال يصنع المستحيل، لكنه لا يؤلف بين القلوب ولا يزرع الوفاق! وقد نصادف أشخاصًا فقراء، لكنَّهم أثرياء في مشاعرهم، يمتلكون في أعماقهم الرحمة، ويعيشون بالحبِّ في كل أفعالهم وأقوالهم.

فلم تكن المادة أبدًا هي السبب الأساسي للشعور بالسعادة، فهي عامل مساعد، والدليل أنَّ هناك من يمتلك المال والجاه والوسامة والشباب والوظيفة المرموقة، لكن كلها لم تجعله يشعر بالسعادة، فقد أكد العديد أنَّهم لا يشعرون بها؛ لعلمهم أنَّ التفات الناس لهم يعود لكونهم أغنياء.

دعونا نواجه أنفسنا بكل صدق وأمانة، كيف أصبحت الحياة الآن ونحن نرى العاطفة تراجعت وانهزمت أمام المادة؟! والمال أصبح فوق كل اعتبار وفوق المشاعر والأحاسيس، وهو الذي يحدد المقبول والمرفوض، الناجح والفاشل، القوي والضعيف، المتعلم والجاهل. كل تلك الأمور ينظر إليها من خلال ما نمتلك حتى أصبحنا نقدّر غيرنا بالحسابات وبرصيدهم في البنوك، فمن يمتلك المال يكون شيئًا مذكورًا، ومن لا يمتلك لا يساوي أي شيء!! فالموضوع ليس بالغنى والفقر، لكنَّه في القناعة والرضا بما نمتلكه، ولن يكون بالأنانية والنظر إلى ما في يد غيرنا، وليس معنى ذلك أن نقتل طموحنا، أو نحدّ من تطلعاتنا، لكن المهم ألا تزيد على الحد المعقول، فالموازنة بين قدراتنا وواقعنا أمر ضروري؛ حتى لا يصبح طموحنا عامل هدم، وليس عامل نجاح، فهناك من يشبع ولا يقنع، ودائمًا يردد «وهل من مزيد؟!»، فالرضا عن النفس لا يكمن في جمع الملايين، أو الوصول للقمة في كل شيء، لكن يكفي أن نتغلب على ضعفنا، وأن نستمتع بما يدخل السرور في نفوسنا ونفوس من حولنا.

 

أنين السعادة

قال حكيم: «السعادة في بيتك فلا تبحث عنها في حديقة الآخرين»، فنحن غالبًا لا نرى الأمور التي تصنع سعادتنا؛ لأنها بين أيدينا فنتركها وننصرف، نبحث، ونراقب، ونتمنى، ونأمل، ونحلم بما في يد الآخرين، وننسى ونتجاهل أنَّ من أسباب الشعور بالسعادة الرضا بما نمتلكه، بدلاً من إهدار لحظات عمرنا في مطاردة ما ليس في أيدينا