يعتبر تحلّق الأسرة في مرحلة الطفولة المبكرة أثناء تناول الطعام أمراً بالغ الأهمية يحمل إيجابيات عدّة، وقيمة اجتماعية تلقي بظلالها على شخصيته في المستقبل.
الاختصاصية الاجتماعية في «مركز الرياض التخصّصي للتأهيل» نوال بنت عبد الله الدويخ توضح أهمية هذه العادة في حياة الطفل.
معلوم أنّ مشاغل الحياة أصبحت كثيرة، لذا يعتبر وقت الطعام هو الأنسب لاجتماع الأبوين مع صغيرهما، ما يحقّق تفاعلاته الأولى معهما، ويعرّفهما على استعداداته في المجالات المختلفة، بدون إغفال أهمية إشعاره بقيمته. ويشبع هذا الدمج بصورة مباشرة أو غير مباشرة بعض احتياجات الطفل، ومن أبرزها الحاجة إلى الانتماء. وبالطبع، تنمو هذه الحاجة عند الطفل منذ شهوره الأولى، ويبرز تحقيقها وإشباعها في سمات شخصيته وسلوكياته عندما يتعدّى مراحل حياته الأولى.
ويقود إهمال الطفل وعدم الالتفاف حوله أثناء الطعام، كما يحدث في غالبية الأسر في وقتنا الحالي والاعتماد على الخدم في إطعامه، إلى عدم وضوح أو توقّف الاتصال أو التواصل بين أفراد الأسرة.
ومن جهة ثانية، تبيّن دراسة حديثة أجرتها جامعة «مينسوتا» الأميركية أهمية اجتماع العائلة حول مائدة الطعام والأثر الإيجابي الذي يتركه ذلك على الأطفال في الوقت الحالي والمستقبل. ويفيد الباحثون، في هذا الإطار، أنّ الأطفال الذين يتناولون وجباتهم اليومية بانتظام مع عائلاتهم يتّبعون عادات غذائية صحية في المستقبل، وخصوصاً أثناء فترة المراهقة.
وتخلص هذه الدراسة التي أخضعت 1700 طفل لبحث استمر لسنوات خمس، أنّ الأطفال الذين يأكلون مع بقية أفراد الأسرة بشكل منتظم يقلّل احتمال تعرّضهم لاضطرابات الأكل السلوكية كالشره المرضي أو فقد الشهية، كما يتّجهون لتناول الفاكهة والخضر عندما يكبرون ويحرصون على عدم تفويت وجبة الفطور.
وتنصح هذه الدراسة الآباء والأمهات بضرورة اجتماع الأسرة أثناء الوجبات الأساسية، لأنّ هذا الوقت يعتبر فرصة لتعليم الأبناء العادات الغذائية والسلوكية الصحيحة، مؤكّدة على التفاعل الإيجابي الذي يمكن ملاحظته على هؤلاء الأطفال خلال بقيّة مراحل حياتهم.
فن التوفيق بين متطلّبات العصر والحفاظ على العادات العائلية
تتزايد صعوبة توثيق أواصر العلاقة بين الأهل والأبناء في مجتمعنا الذي يزداد سرعةً وتطلّباً يوماً بعد يوم، ما يحتّم البحث عن السبل الآيلة إلى تعزيز هذه العلاقة خلال مراحل نشأة الأولاد.
يميل الأهل إلى الاعتقاد بأن الطريقة الوحيدة لإسعاد أطفالهم تكمن في منحهم كل ما يرغبونه على الفور. ويشير نمط التربية المعاصر المنتشر في أوساط شرائح الطبقة الوسطى والمرتكز على الإفراط في تدليل الأطفال إلى أن الأهل يعاملون أبناءهم كما لو أنهم عملاء لديهم يحرصون على إرضائهم! وتفيد الدراسات إلى أن النمط المذكور آنفاً قد يؤدي إلى مشكلات إدمان في المستقبل.
إنفاق المال ليس حلاً
ويشدّد الاختصاصيون دوماً على أهميّة قضاء الأهل وأبنائهم وقتاً قيّماً مع بعضهم البعض، وكذلك قضاء الوالدين وقتاً قيّماً بمفردهما. وإذ معلوم أنّه لا يمكن شراء جودة العلاقات بين الوالدين والطفل، إلا أنّه يمكن العمل على بنائها وتحسينها يوماً بعد يوم. ويتحقّق هذا الأمر في الدرجة الأولى عبر قضاء الآباء والأبناء أوقاتاً طيّبة معاً وليس عبر شراء الأغراض لهم، إذ من شأن التدبير الأخير أن يؤسّس لعلاقة يحكمها الشراء وأن يعرّض الأبناء إلى خطر تنمية الاستحقاق في نفوسهم أي شعورهم بأن هذا التعويض المادي حقّ لهم، بدلاً من أن يعتبرونه منّةً من أهلهم عليهم. ومع مرور الوقت، يصبح الأبناء غير راغبين بقضاء الوقت مع أحد الوالدين أو كليهما إذا لم يكن يشتمل ذلك على تعويضٍ مالي! ومع تنامي هذه الظاهرة، يميل الآباء إلى ازدراء نمط العلاقة مع أطفالهم ويشعرون بأن أبناءهم يستغلّونهم.
الكميّة في مقابل النوعية
وبالطبع، تؤكّد كميّة الوقت الذي يقضيه الآباء مع أطفالهم حسن العلاقة بين الطرفين، فمن يقضي آباؤهم وأمهاتهم وقتاً طيّباً معهم بدلاً من استبدال هذا الأخير بإنفاق المال، يتعلّمون أن يشعروا بقيمة أهلهم لشخصهم وليس لما قد يشترونه لهم. لذا، ينصح بدلاً من كون شراء الأشياء أسّ العلاقة بين الوالدين والطفل، بتعزيز هذه العلاقة بالأنشطة، ولاسيما تلك التي تمثّل متعةً في حدّ ذاتها لكلّ من الوالدين والطفل.
نصائح هامّة
اعلمي أنّ الالتفاف حول الطفل أثناء تناول الطعام يحقّق التعامل الأمثل مع المشكلات السلوكية للطفل في مهدها، ويشكّل فرصة لإشعاره بأنه قريب من أفراد أسرته وأنهم إلى جانبه إذا احتاج لدعمهم وحبهم.
قد تصدر عن طفلك تصرّفات غير لائقة أثناء تناول الطعام، لذا فإنّ وجودك معه يمكّنك من تلقينه آداب المائدة.
تدخّلي لحماية الوقت العائلي، علماً أن أيّ تنازل في هذا الشأن في مرحلة الطفولة المبكرة سينطبق على المراحل الأخرى، ولا تستسلمي لمحاولات طفلكِ لأخذ طعامه إلى غرفته أو تناوله السندويشات أمام شاشة الكمبيوتر لأنكِ ستجدين وقت اجتماع عائلتك قد تضاءل إلى حدّ كبير.
احذري الدخول في المناقشات الحادة وطرح المشكلات على مائدة الطعام أو الاستفسار عن دروس الأطفال ومتابعة أدائهم الدراسي لأنّ المشاحنات تقضي على جو الودّ والألفة وقد تسبّب فقدان الشهية لجميع أفراد أسرتك.