تعاني الكثير من العائلات في وقتنا الحاضر من انتشار النزعة الفرديَّة، وفتور العلاقات، وعدم وجود روح التعاون الجماعي بين أفرادها؛ ما ساهم في تفكك الأسرة، حتى تحولت معظم البيوت في مجتمعاتنا مع الأسف إلى مجرد شراكة في السكن، فالزوج والزوجة كل منهما له عالمه الخاص، وحتى الأبناء لهم عالمهم الخاص، وكأن الزواج اقتصر على شركة وفق أنظمة محددة لا دخل للمشاعر أو الأحاسيس في بنائها وقيادتها. ألا تلاحظون كيف أصبحت اجتماعاتنا الأسريَّة على المستوى الصغير أو الكبير، فكم من البيوت يجتمع فيها أفراد الأسرة الواحدة، يجلسون حول الغداء، أو العشاء، أو مشاهدة التلفزيون، لكن كلاً منهم يعيش بفكره بعيدًا عن الآخر، ولو دار حوار فسيسمعه الآخر بلا إصغاء، ويرد عليه بلا اهتمام؛ لأنَّ كل طرف مشغول بطريقته، وليس هناك مجال للحوار أو المناقشة. انظروا إلى علاقتنا؛ لقد أصبحنا نشعر بالغربة وسط مئات الناس. زمن لا وقت للابن ليجلس مع أمه، أو لأب يلعب مع أبنائه، أو الزوج مع زوجته، زمن الجري بلا هدف، فلا وقت لجلسات عائليَّة، وكم من الأبناء من يعيش في غرفته منعزلاً عن العالم الخارجي أمام جهازه يشاهد، أو ينصت، أو يتحدث إلى مجهولين، وتدور الأيام على نظام واحد يحيط بها الملل والروتين وندرة اللقاءات بين أفراد الأسرة، وكل ذلك خلق الجفاء والبعد النفسي والمعنوي والتربوي، وهكذا تسير الحياة ببرود وببطء، لكنه الهدوء الذي يسبق الكارثة وليس العاصفة.. وتمضي الأيام لتترك وراءها المزيد والمزيد من الحسرة، فيعيش كل طرف في وادٍ مختلف عن الآخر، ويصبح أفراد الأسرة غرباء يعيشون تحت سقف واحد لا توجيه لسلوكيات، ولا إشراف على قيم، ولا زرع لأبجديات التعامل، ولا قدرة على التواصل في الحوار البناء، ليست بينهم اهتمامات موحدة، ولا مشاعر مشتركة فتموت الألفة، وتنتحر المودة، وتغتال العشرة، ويهدم السكن بسبب التباعد الروحي والنفسي والعاطفي، وتنطلق التعاسة بلا حدود وبلا قيود.. بعيدين في الجدار والجوار.
قبل فترة قرأت دراسة لخبيرة برازيليَّة أكدت فيها أنَّ العائلة التي تعيش حالة من التماسك والوحدة يتمتع أفرادها بصحة جيدة، ويكونون أقل عرضة للأمراض، فالحالة العاطفيَّة للعائلة تتدخل حتى في الصحة العقليَّة، وأن تماسك العائلة ووحدتها يعني أيضًا نجاح أفرادها في الدراسة والعمل والحياة اليوميَّة، بالإضافة إلى الثقة بالنفس أمام المجتمع بشكل عام. فيجب إظهار مشاعر الحبِّ والاحترام والعواطف، وتفادي إخفائها، وأنَّ من واجب أفراد العائلة التطرق لمواضيع مختلفة، واتباع الحداثة في الحياة اليوميَّة فإن كان لدى أحدهم أمر أو موضوع جديد يكسر الروتين يتوجب طرحه والحديث عنه؛ لأنَّ الروتين يؤدي إلى فتور العلاقات، ويعتبر الحوار أساسًا متينًا لحل أي مشكلة من المشاكل التي تحدث في الأسرة، وغيابه يؤدي إلى الفرديَّة في اتخاذ القرارات، الأمر الذي يتسبب في وصول المشاكل إلى منعطفات خطيرة تكون نتيجتها تفكك الأسرة