هل تغيرت لغة الخطاب الديني بعد قيام الثورات العربية في بعض الدول؟
لغة الخطاب الديني تغيرت إلى الأسوأ، حيث فشلت الثورات العربية في تغيير هذه اللغة للأفضل، والسبب في ذلك هي التيارات الدينية نفسها التي ظهرت على الساحة السياسية وأصبحت تتحكم في برلماناتها وتفرض سياستها وأفكارها على القرارات التي تحدد مصير بعض الشعوب العربية الآن. ولذلك يجب على العلماء المتخصصين في العلوم الدينية والشرعية أن يقوموا بدورهم في تغيير لغة الخطاب الديني على الفضائيات، وأن لا يعطوا الفرصة لهذه التيارات أن تفرض أفكارها على هذه الشعوب، لأن هذه الأفكار متشددة ومن الصعب أن يتقبلها الناس بسهولة.
أنانية الرجل
لماذا تراجع دور المرأة المسلمة؟
تراجع دور المرأة لفترة نتيجة الخلافة العثمانية، ثم نتيجة للتراكمات السياسية والاجتماعية، وظهرت الروايات الضعيفة، وأعيد مرة أخرى تفعيل الموروث الثقافي من الجاهلية الأولى، وتنشيط النصوص الضعيفة، وحتى النصوص الصحيحة أخرجت من سياقها وطبقت تطبيقاً غير صحيح وغير عادل في كثير من حقوق المرأة التي أعطتها لها الشريعة الإسلامية.. ولماذا نذهب بعيداً فحتى الآن ما زال يناقش صوت المرأة هل هو عورة أم لا؟ رغم أن أم هانئ، مثلاًَ، أخت الإمام علي، كرم الله وجهه، عندما آوت أحد الناس كان سيقتل، وقال لها أجيريني يا أماه، غضب الإمام علي من تصرفها هذا، فذهبت إلى رسول الله، ]، وقالت: يا رسول الله لقد أجرت فلاناً ابن فلان، وابن أمي يغضب لإجارتي.. فيقول لها النبي، صلى الله عليه وسلم: لقد أجرنا من أجرت يا أم هانئ.. ومن هنا كان الارتفاع بكينونة المرأة أنها تجير وتعطي الحماية.. لذلك يجب أن نتعلم أن الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام يرقى بحقوق المرأة ويرتفع بشأنها.. إذن المرأة تراجعت نتيجة أنانية الرجل وهذا لا جدال فيه.
ما هي الشروط الواجب توافرها في المرأة الداعية؟
التخصص، إذ لابد أن يكون لديها علم وتخصص، ولديها مؤهلات علمية، وليس كما يوجد الآن، حيث أننا مجرد ملقنين ولسنا مؤهلين لنكون دعاة حقيقيين، وأعظم آفة أن تحفظ النصوص الدينية بلا فهم لمعانيها ومعرفة كيفية استخراج الحكم منها، وأن نقيس ما كان فيه الحكم بالأمس وما فيه اليوم من قضية، وهذه فراسة لا يعطيها الهن لكل دارس.. فمن الممكن أن أكون دارسة وحافظة ولكنني لست مؤهلة لهذا النوع من أعمال العقل والاستنتاج والتحليل وبيان الأصول للقضية التي سأطبق عليها قياسي، هناك مواهب متعددة للأسف لا أجدها منتشرة مع أهل الاختصاص الآن بالشكل الذي يعطيها مسؤولية الدعوة، ولقد قال الفيلسوف ابن رشد "النص نور من الله والعقل نور من الله، وإذا كان العقل سليماً خالياً من الأمراض والآفات، فإن النور لا يطفئ النور"، فنحن نريد نور العقل الذي خص الله به الإنسان الذي هو مناط التكليف وبذور العقل نسلطه على نور النص.. إلى جانب أنها يجب أن تكون قدوة لغيرها من المسلمات بتحليها بأخلاق الإسلام وآدابه.
ودائماً أقول في كل مجلس جامعة نحن أمة لدينا تراث ضخم، وكيف للطلبة ألا يقتلعوا من جذورهم ولا يغتربوا عن مستجدات عصرهم! ودائماً أتساءل: هل الأمة الإسلامية والتعليم الإسلامي في بلادنا العربية قادر أن يتجاوز هذا الجسر الطويل ما بين الاقتلاع وعدم الاغتراب؟ هذا السؤال أطرحه على كل بيت وكل مؤسسة علمية في عالمنا العربي والإسلامي.
إلغاء الخلع
تدعو بعض الآراء لإلغاء الخلع، على أن يقتصر الأمر على الطلاق، بحجة أن الخلع ليس من ثوابت الدين.. ما ردك؟
قضية الخلع والطلاق والميراث تطبق من الشريعة الإسلامية، هذا لا جدال فيه.. فقد جاءت زوجة ثابت بن قيس وقالت: يا رسول الله أنا لا أعيب على ثابت خلقاً ولا ديناً، ولكنني أكره كفي العشرة ولن أستطيع إعطاءه حقه.. فقال لها: أستردين له حديقته (التي كان أمهره إياها)، قالت: نعم يا سول الله وأزيد. قال: فأما الزيادة فلا، ردي إليه حديقته (ولم يسأل ثابت هل أنت موافق على أن ترد لك حديقتك أو أنك موافق على الخلع) . إذن هناك حكمة في الشريعة من الخلع، وبالمناسبة الخلع يمارس في المحاكم العربية كلها بلا استثناء.
الفرق بين الخلع والطلاق
ما هو الفرق بين الخلع والطلاق؟
الخلع يكون بلفظ الخلع صراحة، أو بلفظ مشتق منه أو يؤدي معناه، مثل المبارأة أو الفدية.. أما إذا كان بلفظ الطلاق مقابل مبلغ معين وصادف ذلك قبولاً لدى الزوجة، كان طلاقاً على مال.
أما الطلاق، يملك الرجل على زوجته ثلاث طلقات، الأولى والثانية منه رجعيتان، أما الثالثة فبائنة، بينما يملك الرجل على زوجته خلعاً واحداً في الزواج الواحد.
وفي الطلاق الأول والثاني يحق للزوج مراجعة زوجته بإرادته المنفردة ودون اشتراط رضاء الزوجة، أما في الخلع فلا يجوز لزوج مراجعتها، إنما يحق له العقد عليها مرة أخرى بعقد ومهر جديدين، مع شرط رضاء المرأة بالزواج.. والطلاق ينقص من الطلقات التي يملكها الرجل على زوجته، أما الخلع فلا يحسب ضمن هذه الطلقات عند من يرون أنه فسخ للزواج.
والعدة في الطلاق بثلاث حيضات لمن تحيض، أما عدتها في الخلع حيضة واحدة.. كذلك في الخلع تسقط حقوق المرأة على زوجها المترتبة عند عقد الزواج، مثل المهر عاجله وآجله، ونفقة الزوجية والمتعة، أما الطلاق فلا يسقط حقها في ذلك.
كما أن الخلع يتم دون التقيد في الطهر، ولا يتقيد بوقت معين، بينما الطلاق يقيد في حالة طهر، سواء كان طلاق عام أو على مال، ويكون من السنة إذا وقع في الطهر، وبدعة إذا وقع في الحيض.
ولا يرث أي من الزوجين الآخر بعد الخلع، ولو حدثت الوفاة أثناء العدة، أما الطلاق بنوعيه فيرث كل منهما الآخر إذا حدث الموت أثناء فترة العدة، أما إذا حدث الموت بعد فترة العدة فلا توارث بينهما، لانقطاع سبب الميراث بالنسبة لهما وهو الزوجية.
العصمة في يد الزوجة
تشترط بعض النساء أن تكون العصمة في يدها، فهل هذا جائز شرعاً؟
الزواج عقد، والعقد شريعة المتعاقدين.. وفي كتابي المرأة المسلمة وضعت وثيقة لعقد الزواج كانت تمارس في القرن الثالث الهجري بالأندلس، فيه تضع المرأة أي شروط طالما لا تحلل حراماً ولا تحرم حلالاً، فهو عقد فيه الإيجاب والقبول.. فمثلاً في عقد الأندلس كانت تضع شرطاً إذا تزوجت عليّ سيكون أمري بيدي، وإذا كان لها ابن من زوج ثان كانت تشترط إذا لم يلبسه ما يلبس ويطعمه مما يطعم يكون أمرها بيدها.
ما رأيك في زواج القاصرات؟
مرفوض شرعاً وقانوناً، فانا أندهش كثيراً ممن ينادي بزواج الفتاة وهي في سن 12 عاماً، فهي طفلة كيف لي أن أسلمها إلى رجل لتكون زوجة وأماً، وتخدمه وتطبخ له.. هذه أفكار مغلوطة، ومن الخرافات التي نعيش فيها الآن.
المرأة والقضاء
ماذا عن عمل المرأة في القضاء؟
لا يوجد من يمنع عمل المرأة قاضية، فمن حقها اقتحام هذا المجال.. الشيء الوحيد الذي طولب به بالحدود عن الإمام أبي حنيفة، حينما قال: تعمل بالقضاء بما يؤخذ فيه شهادتها ما عدا الحدود.. ثم جاء الطبري وابن حزم وقالا إنه لا مانع من توليها القضاء بغض النظر عن مسالة الحدود.
لماذا شهادتها نصف شهادة الرجل؟
هذا في حالة واحدة فقط في العقود، لأن المرأة بطبيعتها ليست من مراتبها التجارة.. ثم قال تذكرها أخت لها، وهو نوع من التوثيق للشهادة، ولم يقل يذكرها أخ لها، فلو قال أخ لها لكان انتقاصاً في قيمة الإنسانية، أو انتقاصاً في قيمة الأدائية أمام القاضي للشهادة.
ما رأيك باحتفالات بعض النساء ممن يحصلن على الطلاق؟
هذا أضعه في خندق قلة تربية في داخل هذه النوعية من النساء.. وهنا أطالب الأسرة المسلمة أن تربي بناتها التربية القويمة على الالتزام بالمنهج الأخلاقي الذي يدعو إلى الرحمة والمحبة، فما يحدث من انفلات نتيجة تزاوج الثقافات من خلال الفضائيات والإلكترونيات و"النت والشاتينج"، وما بين ثقافة الغرب الوافدة علينا بدون حدود، وما بين ثقافتنا التي نريد أن نخرجها من أعماقنا وعقولنا وحياتنا.. فقد غاب دور الأسرة في التربية القويمة باحترام الزوج والأخ في البيت، وفي نفس الوقت الأخ يحترم أخته.. فهناك الصراع داخل الولد الذي مازال يعيش في وهم سي السيد، وما بين البنت التي انطلقت كالصاروخ إلى كل هذه المعاصرة بكل مستجداتها من الحلو والمر والإيجابي والسلبي، وهنا حدث انشقاق وانطلاق الكثير، فنحن نعاني من أمرين: من عنوسة مرتفعة نتيجة تمرد البنت وأنها اشتغلت وصارت صاحبة دخل وأحست بكينونتها، وما بين اختلاف الثقافة والقيم والعادات والموروث.
بطاقة
الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، وعضوة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، هي واحدة من الداعيات الإسلاميات اللائي ظهرن على الساحة الدينية والإعلامية في السنوات الماضية، وهي معروفة بآرائها الصريحة التي لا تخشى فيها لومة لائم.