بدأت في السنوات الأخيرة ظاهرة كاتبات الرأي كحالة صحية في الصحافة المغربية، حيث تجد لهن مقالات ثابتة ينتظرها القراء بشغف؛ للاطلاع على آرائهن في العديد من القضايا المهمة، فيكتبن باللغات الحية الثلاث؛ العربية والفرنسية والإنجليزية، في الصحف الورقية والإلكترونية وفي المجلات والدوريات.
في تحقيقنا الآتي نتعرف إلى بعضهن؛ ليتحدثن لـ«سيدتي» عن صعوبة المهمة التي يتصدين لها.
تقول نادية لمليلي، رئيسة تحرير مجلة «إيكونومي إنتروبريز»، التي تكتب عمودها الشهري بالفرنسية، وتفتتح به المجلة أعدادها: «كتابة المقال المنتظر من قبل القارئ يتطلب مجهوداً، ومتابعة وتحليل كل المستجدات، ليس فقط في مجال الاقتصاد، بل في كل المجالات السياسية منها والاجتماعية والثقافية، وهذا ما يمكنني من تكوين نظرة عميقة لموضوع افتتاحيتي، وأيضاً إغناء مهمتي كرئيسة تحرير».
مخاض
شامة درشول، كاتبة عمود في موقع «صافي» الإلكتروني، تؤكد بالمقابل أن مخاض الكتابة يعدّ تحدياً أسبوعياً لا يكاد ينتهي، وتقول: «فور أن تُنهي مقالك الأول تبدأ في التفكير في المقال المقبل، وكلما لقي المقال تجاوباً من القراء كبرت مسؤوليتك، وبتّ أكثر حزماً مع نفسك، واستوعبت أن قلمك ليس لك وحدك، بل هو صوتك؛ يحمل في طياته صوت الآخرين»، وتضيف: «كتابة المقال تعني أن تبقي عينيك وأذنيك وكل حواسك متيقظة؛ لالتقاط كل صغيرة وكبيرة؛ لتعيد تقديمها بأسلوب تحاول أن يحمل بصمتك أو ما نسميه بـ«الستايل».
وتستحضر شامة -التي تكتب باللغتين العربية والإنجليزية، حينما تكتب على موقع «صافي»- أنها تتوجه لقراء مغاربة وعرب، وعلى مجلة «إيماج» أنها تكتب لقراء بالإنجليزية، وليس لسكان أوروبا فقط.
تنظيم ومواظبة
أما سلوى ياسين، كاتبة عمود في صحيفة مغربية، فتؤكد أنها تعيش هذه التجربة بكل ما تحتاجه من تنظيم ومواظبة ومسؤولية تجاه مواعيد النشر والتزاماته.
وتحاول سلوى، كما تقول، إخضاع الكتابة لبعض الجدولة الزمنية الدقيقة، ولا تنكر أن تجربة كتابة عمود أسبوعي يُدخلها تحدياً خاصاً؛ كونها امرأة تعودت أن تقرأ ما تريد، وتكتب بالطريقة التي تشتهيها، معترفة بأن تجربة كتابة العمود في صحيفة يومية مقروءة أثرت حتى على نوعية اختياراتها في القراءة والكتابة.
إكراهات الإبداع
لكتاباتهن المستمرة تأثير على حياتهن في المحيط الأسري.. نادية لمليلي تعيد الأمر إلى أوله؛ بالتأكيد على أن العمل الصحفي في مجمله عمل شاق، ويتطلب نوعاً من التفرغ، وأن في مجمل الحالات الزوجية نوعاً من التضحية، معترفة بأن زوجها يساعدها كثيراً ويحترم شغفها بالصحافة.
وتقول سلوى ياسين إن أسرتها تتفهم تماماً هذا الدور المستجد في حياتها، وتؤكد: «أنا في الأصل امرأة ليس لديها ولع كبير بارتياد الأماكن العامة، فالذين يدمنون هذا الولع المسمى (كتابة) يعرفون أن الوحدة قدرهم الذي لا مهرب منه، ولهم تطبيع مثير مع العزلة والصمت والهدوء. فغالباً لا أغادر المنزل إلا للحاجة الملحة. أحياناً يتعرقل نظامي اليومي؛ بسبب الأمومة أو العمل».
شامة درشول عبّرت عن الأمر بلغة الطقوس التي لديها قبل كتابة المقال، حيث تجد نفسها في كل مرة تشرع فيها بكتابة مقال تعيش حالة مد وجزر؛ بين قلمها الذي يريد أن يتحرر من قيود المجتمع ورقابة الناس، وبين واجبها تجاه والدتها وأهلها «وأن يسمعوا عنها خيراً»، وبين علاقتها مع أصدقائها.
نظرة إيجابية
النظرة إلى إنتاج هؤلاء النساء كاتبات الأعمدة لا تقتصر على الأسرة والأهل، بل حتى على زميلات العمل الصحفي، وتعترف كاتبات الأعمدة اللواتي تحدثنا إليهن أن النظرة تبقى عموماً إيجابية، فنادية لمليلي تعتبر أن النظرة إيجابية، «ويعترفن لي بالعمق بعد 14 سنة من التجربة الصحفية»، وأرجعت هذا الاعتراف إلى نوعية المواضيع التي تتناولها، والتي تجلب اهتمام الكثير من القراء.
ورغم الاعتراف الذي تقوله سلوى ياسين، إلا أنها تتحدث عن كون زميلاتها في الصحافة قليلات جداً، وينظرن إلى نجاحها باعتزاز، ويقابلنه بالتشجيع والتعليق البنّاء.
هناك استحسان للأمر.. بهذا أجابت شامة درشول عن السؤال، معتبرة أنه يسعدها سماع كلمات إطراء من زملاء المهنة؛ «لأنهم والقراء الأقدر على الحكم»، ويسعدني أكثر حينما تحتدم المنافسة، ليس مع الزميلات فقط، بل أيضاً مع الزملاء الذين تشارك معهم التعليقات، حيث يبقى الهدف خلق «ستايل» في الكتابة.
مع القراء
وسألنا: ما نوعية قراء عمود الكاتبات الإعلاميات؟ هل الأمر يتعلق بالنساء أم بالرجال، أم هما معاً؟
وتجيب شامة: إنهما معاً؛ لأنها تقول: «حينما يُنشر مقال لي، أجد تجاوباً من الجنسين، خاصة أن الكتابة لصحيفة رقمية يساعد على إيصال مقالك إلى أكبر فئة، ومن مختلف الأعمار والجنسيات القارئة باللغة العربية أو الإنجليزية».
تجربة شامة دلتها إلى خلاصة مهمة؛ تتمثل في كون القراء الذكور يقبلون بشكل كبير على قراءة ما تكتب، والتجاوب معه، وهو ما لمسته من الرسائل الإلكترونية التي تتوصل بها، مفسرة ذلك بأن الرجال يميلون لقراءة من يخاطب عقولهم، ويحاججهم بالمنطق، ويدفعهم إلى إعادة التفكير في أمور أصبحت مع العادة بديهية، كما أن الرجال يميلون بشدة لقراءة مقال يجمع بين روح الفكاهة، والأسلوب الرشيق، وهو ما يمكن إيجازه في أن الرجال يجذبهم الأسلوب السهل الممتنع».
خلف الرجل
الكاتب المغربي محمد جبرون يقول: «نلاحظ أن عدد كاتبات الأعمدة في المغرب قليل، ويصدق عليهن ما يصدق على حضور المرأة عموماً في الفضاء العمومي، فعدد النساء اللواتي يزاولن الكتابة بانتظام، وخاصة الكتابة الصحفية، محدود.
ونسجل أيضاً أن اهتمامات كاتبات الأعمدة من النسوة مرتبطة بالقضايا الاجتماعية المتعلقة بالطفل والمرأة والأسرة والفنون، ولم يتميزن بكتابة المواضيع السياسية أو الاقتصادية المحتكرة من قبل الرجل.
وإذا كانت كتابة الأعمدة الناجحة تتطلب الجرأة والمواكبة وتعدد المعارف وتحمّل المتاعب، فإن المرأة المغربية لا تزال غير مؤهلة لمثل هذه الصعوبات والأوصاف؛ لأسباب ثقافية واجتماعية وسياسية. ومن ثم فكتابة العمود من طرف النساء في المغرب لا تزال تقع خلف الرجل.
اختصاصات مختلفة
يبلغ عدد الصحافيات في المغرب 632 صحافية؛ أي بنسبة 47.27 في المائة من مجموع عدد الصحافيين في مختلف المنابر الإعلامية، حيث يصل عدد الصحافيين الرجال إلى 1755؛ أي بنسبة 52.73 في المائة.
ويصل عدد الصحافيات العاملات في الإذاعة الوطنية المغربية والقناة الأولى إلى أكثر من 200 صحافية، ثم وكالة الأنباء الرسمية فالقناة التلفزيونية الثانية، ثم محطة إذاعة البحر الأبيض المتوسط بطنجة، بأعداد تفوق المائة، وهن يعملن في اختصاصات مختلفة.
في تحقيقنا الآتي نتعرف إلى بعضهن؛ ليتحدثن لـ«سيدتي» عن صعوبة المهمة التي يتصدين لها.
تقول نادية لمليلي، رئيسة تحرير مجلة «إيكونومي إنتروبريز»، التي تكتب عمودها الشهري بالفرنسية، وتفتتح به المجلة أعدادها: «كتابة المقال المنتظر من قبل القارئ يتطلب مجهوداً، ومتابعة وتحليل كل المستجدات، ليس فقط في مجال الاقتصاد، بل في كل المجالات السياسية منها والاجتماعية والثقافية، وهذا ما يمكنني من تكوين نظرة عميقة لموضوع افتتاحيتي، وأيضاً إغناء مهمتي كرئيسة تحرير».
مخاض
شامة درشول، كاتبة عمود في موقع «صافي» الإلكتروني، تؤكد بالمقابل أن مخاض الكتابة يعدّ تحدياً أسبوعياً لا يكاد ينتهي، وتقول: «فور أن تُنهي مقالك الأول تبدأ في التفكير في المقال المقبل، وكلما لقي المقال تجاوباً من القراء كبرت مسؤوليتك، وبتّ أكثر حزماً مع نفسك، واستوعبت أن قلمك ليس لك وحدك، بل هو صوتك؛ يحمل في طياته صوت الآخرين»، وتضيف: «كتابة المقال تعني أن تبقي عينيك وأذنيك وكل حواسك متيقظة؛ لالتقاط كل صغيرة وكبيرة؛ لتعيد تقديمها بأسلوب تحاول أن يحمل بصمتك أو ما نسميه بـ«الستايل».
وتستحضر شامة -التي تكتب باللغتين العربية والإنجليزية، حينما تكتب على موقع «صافي»- أنها تتوجه لقراء مغاربة وعرب، وعلى مجلة «إيماج» أنها تكتب لقراء بالإنجليزية، وليس لسكان أوروبا فقط.
تنظيم ومواظبة
أما سلوى ياسين، كاتبة عمود في صحيفة مغربية، فتؤكد أنها تعيش هذه التجربة بكل ما تحتاجه من تنظيم ومواظبة ومسؤولية تجاه مواعيد النشر والتزاماته.
وتحاول سلوى، كما تقول، إخضاع الكتابة لبعض الجدولة الزمنية الدقيقة، ولا تنكر أن تجربة كتابة عمود أسبوعي يُدخلها تحدياً خاصاً؛ كونها امرأة تعودت أن تقرأ ما تريد، وتكتب بالطريقة التي تشتهيها، معترفة بأن تجربة كتابة العمود في صحيفة يومية مقروءة أثرت حتى على نوعية اختياراتها في القراءة والكتابة.
إكراهات الإبداع
لكتاباتهن المستمرة تأثير على حياتهن في المحيط الأسري.. نادية لمليلي تعيد الأمر إلى أوله؛ بالتأكيد على أن العمل الصحفي في مجمله عمل شاق، ويتطلب نوعاً من التفرغ، وأن في مجمل الحالات الزوجية نوعاً من التضحية، معترفة بأن زوجها يساعدها كثيراً ويحترم شغفها بالصحافة.
وتقول سلوى ياسين إن أسرتها تتفهم تماماً هذا الدور المستجد في حياتها، وتؤكد: «أنا في الأصل امرأة ليس لديها ولع كبير بارتياد الأماكن العامة، فالذين يدمنون هذا الولع المسمى (كتابة) يعرفون أن الوحدة قدرهم الذي لا مهرب منه، ولهم تطبيع مثير مع العزلة والصمت والهدوء. فغالباً لا أغادر المنزل إلا للحاجة الملحة. أحياناً يتعرقل نظامي اليومي؛ بسبب الأمومة أو العمل».
شامة درشول عبّرت عن الأمر بلغة الطقوس التي لديها قبل كتابة المقال، حيث تجد نفسها في كل مرة تشرع فيها بكتابة مقال تعيش حالة مد وجزر؛ بين قلمها الذي يريد أن يتحرر من قيود المجتمع ورقابة الناس، وبين واجبها تجاه والدتها وأهلها «وأن يسمعوا عنها خيراً»، وبين علاقتها مع أصدقائها.
نظرة إيجابية
النظرة إلى إنتاج هؤلاء النساء كاتبات الأعمدة لا تقتصر على الأسرة والأهل، بل حتى على زميلات العمل الصحفي، وتعترف كاتبات الأعمدة اللواتي تحدثنا إليهن أن النظرة تبقى عموماً إيجابية، فنادية لمليلي تعتبر أن النظرة إيجابية، «ويعترفن لي بالعمق بعد 14 سنة من التجربة الصحفية»، وأرجعت هذا الاعتراف إلى نوعية المواضيع التي تتناولها، والتي تجلب اهتمام الكثير من القراء.
ورغم الاعتراف الذي تقوله سلوى ياسين، إلا أنها تتحدث عن كون زميلاتها في الصحافة قليلات جداً، وينظرن إلى نجاحها باعتزاز، ويقابلنه بالتشجيع والتعليق البنّاء.
هناك استحسان للأمر.. بهذا أجابت شامة درشول عن السؤال، معتبرة أنه يسعدها سماع كلمات إطراء من زملاء المهنة؛ «لأنهم والقراء الأقدر على الحكم»، ويسعدني أكثر حينما تحتدم المنافسة، ليس مع الزميلات فقط، بل أيضاً مع الزملاء الذين تشارك معهم التعليقات، حيث يبقى الهدف خلق «ستايل» في الكتابة.
مع القراء
وسألنا: ما نوعية قراء عمود الكاتبات الإعلاميات؟ هل الأمر يتعلق بالنساء أم بالرجال، أم هما معاً؟
وتجيب شامة: إنهما معاً؛ لأنها تقول: «حينما يُنشر مقال لي، أجد تجاوباً من الجنسين، خاصة أن الكتابة لصحيفة رقمية يساعد على إيصال مقالك إلى أكبر فئة، ومن مختلف الأعمار والجنسيات القارئة باللغة العربية أو الإنجليزية».
تجربة شامة دلتها إلى خلاصة مهمة؛ تتمثل في كون القراء الذكور يقبلون بشكل كبير على قراءة ما تكتب، والتجاوب معه، وهو ما لمسته من الرسائل الإلكترونية التي تتوصل بها، مفسرة ذلك بأن الرجال يميلون لقراءة من يخاطب عقولهم، ويحاججهم بالمنطق، ويدفعهم إلى إعادة التفكير في أمور أصبحت مع العادة بديهية، كما أن الرجال يميلون بشدة لقراءة مقال يجمع بين روح الفكاهة، والأسلوب الرشيق، وهو ما يمكن إيجازه في أن الرجال يجذبهم الأسلوب السهل الممتنع».
خلف الرجل
الكاتب المغربي محمد جبرون يقول: «نلاحظ أن عدد كاتبات الأعمدة في المغرب قليل، ويصدق عليهن ما يصدق على حضور المرأة عموماً في الفضاء العمومي، فعدد النساء اللواتي يزاولن الكتابة بانتظام، وخاصة الكتابة الصحفية، محدود.
ونسجل أيضاً أن اهتمامات كاتبات الأعمدة من النسوة مرتبطة بالقضايا الاجتماعية المتعلقة بالطفل والمرأة والأسرة والفنون، ولم يتميزن بكتابة المواضيع السياسية أو الاقتصادية المحتكرة من قبل الرجل.
وإذا كانت كتابة الأعمدة الناجحة تتطلب الجرأة والمواكبة وتعدد المعارف وتحمّل المتاعب، فإن المرأة المغربية لا تزال غير مؤهلة لمثل هذه الصعوبات والأوصاف؛ لأسباب ثقافية واجتماعية وسياسية. ومن ثم فكتابة العمود من طرف النساء في المغرب لا تزال تقع خلف الرجل.
اختصاصات مختلفة
يبلغ عدد الصحافيات في المغرب 632 صحافية؛ أي بنسبة 47.27 في المائة من مجموع عدد الصحافيين في مختلف المنابر الإعلامية، حيث يصل عدد الصحافيين الرجال إلى 1755؛ أي بنسبة 52.73 في المائة.
ويصل عدد الصحافيات العاملات في الإذاعة الوطنية المغربية والقناة الأولى إلى أكثر من 200 صحافية، ثم وكالة الأنباء الرسمية فالقناة التلفزيونية الثانية، ثم محطة إذاعة البحر الأبيض المتوسط بطنجة، بأعداد تفوق المائة، وهن يعملن في اختصاصات مختلفة.