العفو عن الآخرين كان ومازال من الأمور الصعبة في العلاقات بين الناس بشكل عام، وبين الأزواج بشكل خاص، لكن الدراسات أثبتت أن القدرة على مسامحة الناس والعفو عنهم عندما يخطئون تمنح المسامح راحة نفسية وجسدية، تنعكس إيجاباً على الصحة العامة. كما أن القدرة على التعامل مع الغضب والشعور بالإهانة تعتبر من التحديات الحقيقية في الحياة بالنسبة للمرأة والرجل والطفل والمسن على حد سواء. فمن يستطيع التحكم بغضبه إنما يساهم في منح نفسه ميزة من الناحية الإنسانية، ويصبح عظيماً في أعين الآخرين، ويمنح نفسه ميزة الفهم العميق للسلوك الإنساني.
أصدر معهد «سيناك» البرازيلي للدراسات الاجتماعية في مدينة ساو باولو كتاباً بعنوان «العفو الذي لا يأتي» لعدد من الباحثين الاجتماعيين، جاء فيه إن أناساً كثيرين لا يستطيعون فتح قلوبهم، وعقولهم للعفو عن الآخرين عندما يرتكبون خطأ بحقهم. وهذا الانغلاق إنما يؤدي إلى الأسوأ بالنسبة لطرفي المعادلة. فالمخطئ الذي يدرك خطأه ينتظر العفو من الآخر، والآخر ينتظر اعتذاراً؛ لكي يمتلك الحجة من أجل إعلان عفوه، لكن ذلك قد يتأخر أو ربما لا يأتي، فتتعقد الحياة بالنسبة لهما لدرجة كبيرة تسوء معها العلاقة الإنسانية لتصبح الترسبات بمثابة فوهة بركان قابلة للانفجار في أي وقت؛ ليدمر برماده المشاعر والخواطر والأمنيات والآمال والمستقبل.
وذكر الكتاب أن العفو عن الآخرين لايمكن أن يكون مجرد كلمات ينطقها اللسان، بل يجب أن يكون نابعاً من القلب. فإن لم يكن كذلك فإنه من غير المفيد التظاهر بالعفو عن الآخرين، واستمرار حمل الأسى في القلب.
بسمة أو كلمة
أكد الكتاب الذي لاقى إقبالاً جماهيرياً على اقتنائه أنه لا يمكن قياس العفو أو التأكد منه من مجرد إطلاق بسمة أو نطق كلمة، بل إظهار ما في داخل النفس؛ لكي لا تكون له آثار مستقبلية سيئة. وقال مؤلفوه: إن الإنسان غير مجبر على تلقي الإهانة أو تحمل خطأ الآخرين بحقه، كما أنه غير مجبر على التصفيق لخطأ الآخرين بحقه. المطلوب هنا هو «التعايش السلمي» مع الإهانة التي يتلقاها إنسان ما من الآخر، وبمعنى أوضح أن يتعامل مع الإهانة بشكل سلمي متجنباً التفكير في الانتقام مستقبلاً، والشعور بأنه سيظل مجروح الخاطر إن لم يقابل الإهانة بإهانة مماثلة.
العفو صحة
ربما لا يدرك الكثيرون من الناس أن معرفة العفو عن الناس يعتبر أمراً صحياً للغاية؛ لأن العفو الحقيقي يزيل عن النفس وزناً ثقيلاً ويعطي السلوك الإنساني قيمة أكبر تميزه عن بقية المخلوقات. فحمل جروح الإهانة والغضب والحنق في القلب يؤدي مع مرور الزمن إلى أمراض جسدية تظهر لأسباب نفسية، وبذلك يضر المرء بأغلى شيئين في الحياة: راحة البال والصحة الجيدة.فإذا لم يستطع الإنسان تخليص نفسه من العذاب الداخلي الناجم عن الحقد فإن ذلك سينعكس لامحالة على الحالة الصحية للجسم. ومن أبسط ما يمكن لهذا الحقد جلبه لمن يحمله في داخله هو إصابته بالقرحة المعدية والصداع وتلف الأعصاب.
يريح الضمير
إن العفو عن الناس يريح الضمير، ومن الآثار الإيجابية لراحة الضمير عدم فقدان محبة الناس، وإدراك حقيقة أن الجميع يخطئ. ومن يهمه راحة ضميره يجب أن يعلم أن الخطأ لا ينبغي أن يواجه بخطأ، بل بالعفو. الذي يمنحنا أيضاً «وقتاً حراً» للتفكير بالأمور الجيدة في الحياة؛ لأن الاستمرار في حالة المواجهة والتحدي يسلبنا هذا الوقت الحر، ويعطينا نوعاً آخر من الوقت الذي تكون سلبية التفكير سمته الأساسية.وتابع الكتاب الذي حصلت «سيدتي» على ملخص عنه من معهد «سيناك» يقول إن المفتاح الذي يساعدنا على العفو عن الآخر هو عدم إعطاء أهمية كبيرة للخطأ الذي يرتكبه الآخر بحقنا، وهذا يساهم في تخفيف وطأة هذا الخطأ علينا، وبالتالي تصبح القدرة على العفو أسهل بكثير مما لو أعطينا كل تلك الأهمية التي لايستحقها الخطأ الذي ارتكب بحقنا.
رأي في الكتاب
أكدت الباحثة الاجتماعية البرازيلية أليزا مونتيني (32 عاماً) العاملة في معهد «سيناك» كمشرفة على الدراسات الاجتماعية أن العفو عن الآخرين يعتبر أمراً جيداً وهاماً من جميع النواحي الحياتية؛ لأن القدرة على العفو ليست سهلة، ومن يملك هذه القدرة فإنه يتميز عن الآخرين بقدرته على احتواء أخطاء من يتسرعون في إطلاق الأحكام على الآخرين من دون تروٍّ وحكمة.
فعندما كان هذا القانون قائماً في ذلك العهد لم يكن هناك الوعي الموجود في عصرنا الحاضر. ونصحت الناس بالتالي:
- لا تستمع إلى تحريضات الآخرين الذين قد يدعونك للانتقام لإهانة تعرضت لها.
- فكر بعمق، وحاول اكتساب القدرة على العفو، فلكل منا جوانب ضعف وقوة.
- ليس هناك ما يمنع الإنسان من اكتساب أي عادة تعود عليه، وعلى الناس في المجتمع بالمنفعة الشخصية والعامة
- اعلم أن عدم القدرة على العفو يمكن أن يرجعنا إلى قانون «حمورابي» الذي يقول إن العين بالعين والسن بالسن، وبذلك نرجع أنفسنا، عبر غريزة الانتقام، إلى الوراء لآلاف السنين.
- عفوك عمن يخطئ بحقك يمكن أن يغير مواقفه، ويجبره على أن يعيد حساباته لدرجة أنه سيشعر بالدونية إن لم يقدر عفوك عنه.
- عفوك هذا سيظهرك بمظهر القوي الذي لا ينزل إلى مستويات أدنى، وهذا عقاب كاف للآخر
- ليست هناك حاجة من طرفك للجوء إلى الانتقام أو الوقوع في نفس الخطأ الذي وقع فيه من تعدّى عليك بالإهانة.