قال تعالى: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى واتقون يَا أُولِي الْأَلْبَابِ".
في هذه الأيام يتوافد ضيوف الرحمن إلى بيته الحرام من كل فج وصوب لأداء فريضة من أعظم الفرائض، فما هي هذه الفريضة؟ وما أهميتها؟ وكيف نتعرف على نفحاتها العطرة ونتعرض لها في الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة؟ كل هذا يعرفنا عليه الداعية الإسلامي إسلام شعيب في السطور التالية:
• مقاصد الحج
بداية يقول الشيخ إسلام: كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "العشر الأوائل من ذي الحجة حتى يوم عرفة أحب إلى الله من نهار رمضان بل أحب إلى الله من نهار العشر الأواخر من رمضان"، وكان يقول أيضاً: "ألا إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها".
إن الله تعالى ميز الحج دون غيره من أركان الإسلام بسورة كاملة في كتابه الكريم سماها به، وهي سورة "الحج"، وقد جمعت هذه السورة وتحدثت عن مواضيع كثيرة، من أهمها: يوم القيامة، والبعث، والنشور، والجهاد، والعبودية لله، وهنا يأتي سؤال: لماذا سميت هذه السورة بـ"الحج" رغم أن الله لم يتناول فيها الحج بالتفصيل بل تكلم عن يوم القيامة والبعث والنشور والجهاد؟ وما علاقة كل هذه الأمور ببعضها وبالحج؟
الإجابة على ذلك تتمثل في أن من مقاصد الحج أنه يذكرنا بيوم الجمع والاستعداد له، ويذكرنا بأننا جميعاً متساوون، كما يذكرنا بتقوى الله سبحانه والتزام أوامره والتجرد من شهوات النفس، إضافة إلى الصبر على الناس والتعارف والتآلف فيما بيننا.
• فوائد الحج وحكمه العظيمة
ويضيف شعيب عن فضل الحج: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ"، قالوا: "ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله؟" قال: "ولا الجهاد في سبيل الله".
ومن فوائد الحج تربية النفس على مكارم الأخلاق وتعويدها على جميل الطباع والترقي بها في مراقي الكمال، فالحج تربية على الترفع عن الشهوات وتربية على حسن التعامل وتربية على التجرد لله وتربية على تقوى الله وحسن مراقبته وتربية على الجدية في العمل، لذلك قال رسول الله: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، فالشرط لغفران الذنوب هو عدم الرفث وعدم الفسوق، وقبل ذلك كله تأمل قول الله تعالى وهو يرسم للمؤمنين المنهج القويم لتربية النفوس ويبين لهم الآداب والمعاني التي يجب أن تتمثل في حجهم، حيث قال: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجّ"، فحسن الخلق وخدمة الآخرين والصبر والتحمل وضبط النفس واللسان، خاصة في أوقات الزحام، آداب شرعية، والحج دورة تدريبية لتحصيل هذه الآداب، فلا يَظهر الصبر والتحمل وحسن الخلق والإيثار إلا بمثل هذه المناسبات، وكما قيل: السفر يسفر عن أخلاق الرجال.
وعَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: " إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ: إِلَهِي مَا حَقُّ عِبَادِكَ عَلَيْكَ إِذَا هُمْ زَارُوكَ فِي بَيْتِكَ، فَإِنَّ لِكُلِّ زَائِرٍ عَلَى الْمَزُورِ حَقًّا؟ قَالَ: يَا دَاوُدُ، إِنَّ لَهُمْ عَلِيَّ أَنْ لا أُعَاقِبَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَغْفِرَ لَهُمْ إِذَا لَقِيتُهُمْ"، والحج ميدان اجتماع الأمة بعد تفرّقها ومنارة عزها بعد هوانها وكان عنوان حياتها ووجودها، فما ينبغي للأمة أن تَغفل عن معانيه وأسراره، فهو توثيق للروابط ومحل للتعارف وتجديد للإيمان وتعميق للأواصر والصلات، إذ يتعرّف فيه المسلم على أخيه القادم من مكان سحيق، فيسمع كلامه ويبث له أشجانه ويعينه على قضاء حوائجه.