هكذا هو الانتقام، يبقى كالوشم أو الندبة في قلوب الضحايا، يظل محرضاً على الشرّ، وطارداً للمغفرة، مغلقاً كل الأبواب في وجهها، وقاطعاً كل الطرق والسبل التي تصلها إلينا.
هذا ما قدمه المخرج الكويتي علي الحسيني بعرضه المسرحي "القلعة"، الذي أداه كلٌ من "فيصل العميري وعبد الله التركماني"، على خشبة المسرح الرئيسي ضمن فعاليات اليوم الخامس من مهرجان الأردن المسرحي بدورته الثالثة والعشرين، والذي يقام بالمركز الثقافي الملكي بالعاصمة الأردنية عمان.
الانتقام.. حين يصير الضحية قاتلاً
جندي هارب من الخدمة لرفضه أوامر القائد بقتل عجوز يمتطي حماره، يبعث برسالة مزيفة إلى القائد يعلمه من خلالها أنه ورث ملكية من الأراضي بإحدى المدن المهجورة، وبالطريق يلتقيان ولكن ليس صدفة أبداً بعد أن يحاول الجندي إيقاف القائد ويطلب منه إيصاله إلى المقبرة.
هنا تبدأ أحداث القصة بالتكشف من خلال الحوار الذي يحدث بين الشخصيتين، ليتبين أن القائد كان قد اختطف زوجة الجندي وعذبها ليسلم الجندي نفسه، وبالوقت الذي تهرب فيه الزوجة، تهرب أيضاً أم القائد من منزله لعدم رضاها على جرائم وأفعال ابنها، وتعمل الأقدار على جمع الأم والزوجة، إذا تقوم الأولى بالعناية بالزوجة حتى تلاقي أجلها، ولا تستطيع الأم إكمال حياتها وتبادر بالانتحار. ويقطع الجندي وعداً لزوجته بأن يحضر القائد ويقتله انتقاماً لها، وذلك عبر إرسال تلك الرسالة المجهولة والمزعومة، التي أرسلت له القائد إلى حيث يريد، ويحتدم الصراع بين الاثنين، حتى يصل إلى النهاية التي تفاجئ الحضور بأن كلاهما بمستشفى للأمراض العقلية.
العمل مضموناً وأداءاً..
بالرغم من القصة المشوقة التي عرضها العمل، إلا أن أداء كل من العميري والتركماني لم يكن بحجم التوقعات التي حملها الحضور عن العمل، وعن ما يقدمه هذان الفنانان بالعادة، فاعتمد كلاهما على أداء موحد، ومشاعر واحدة فقط طوال العمل وهي مشاعر الغضب، ولم يكن هناك أي تنويع رغم التناقضات الكبيرة التي يحملها المضمون والقصة، والصراع الهائل الذي يكوّن شخصياتهما، والذي كان من الممكن أن ينتج عنه العديد من الانفعالات التي تعتبر ساحة كبيرة للفنان لوضع بصمته والاستعانة بكامل أدواته الفنية من خلالها، الأمر الذي حصر العرض بشكل واحد من الأداء، ومن المؤسف أن "الصراخ" كان سيد هذه الانفعالات بعمل يعتبر ثرياً جداً بالمسرح والدراما.
أما بالنسبة للنص والحوارات، فكان هناك الكثير من الثرثرة والكلام المكرر حول نفس الموضوع والأفكار، بحيث خلق الأمر الكثير من "المماطلة" بالأداء والحوارات للوصول إلى الصراع الحقيقي، الذي كان مشوشاً لحظة الوصول إليه، ومن جهة أخرى، دلَّ هذا الأمر إلى ضعف الكاتب بخلق حوارات تكون بحجم اللقاء بين غريمين يحملان كل هذا التاريخ وكل هذه التناقضات، إذ أن الاشتغال على هذه العلاقة كان يحتاج بعداً وجودياً أعمق وأبعد تأثيراً.
إضافة إلى الحل الإخراجي الذي اختتم به العرض، وهو أن كلا الشخصيتين بمستشفى للأمراض العقلية، فكأن المخرج حاول مصالحة الجماهير بعد الدراما الطويلة التي قدمها والتي امتلأت بالصراخ، غير أنه لم يكل حلاً إخراجياً موفقاً على مستوى المضمون، لكثرة ما تم استخدامه بالعروض المسرحية، إذا يرى به المخرجون عادة هروباً موفقاً ومريحاً لصنع النهايات، ووضع خاتمة كانت فيما مضى تصنع نوعاً من الدهشة.
من أنقذ مسرحية "القلعة"..؟
بالرغم من كل الملاحظات التي تم ذكرها سابقاً بما يخص أداء الممثلين ومضمون العمل والنصّ، إلا أن العرض الكويتي "القلعة" قدم لجمهور المهرجان متعة بصرية هائلة، أذهلت الجميع. ومن هنا يمكننا أن نقرّ بأن أبطال العمل ونجومه كانوا مصممي وتقنيي الإضاءة والديكور، لما قاموا به من عمل يجب الوقوف عنده طويلاً، ولإنقاذهم العمل بالمشهدية الساحرة التي قدموها على خشبة الرئيسي.
حيث بدأ العمل مع مشهد السيارة، إذ قدموا حالة سينمائية من خلاله، بتصميمهم للسيارة التي ركبها الممثلين، وتحريكهم لها على المسرح بشكل قارب على الحركة الحقيقية للمركبات، لا سيما مشهد تدهورها وسقوط الشخصيات منها للانتقال إلى مكان المقبرة.
ومن جهة أخرى، وبمتعة بصرية ثانية حين تم الإشتغال على القبور نفسها في مشهد المقبرة، فاستطاع مصمم الديكور أن يسرق دهشة وتصفيق الحضور بمشهد خروج روح أو طيف زوجة الجندي الهارب من القبر واختفائها فجأة حين حاول الجندي عناقها، بتقنية متقنة عبر استخدام لعبة بدت طوال العرض كجزء من القبر.
وأيضاً بمشهد النهاية، الذي غفر للمخرج استخدام مستشفى الأمراض العقلية كخاتمة لكثرة استخدامه كما ذكرنا سابقاً، إذا أخرج مصممو وفنيو الديكور أسرّة للمرضى النفسيين من القبور عليها بعض الألعاب والحاجيات التي خرجت عن نصّ وأجواء العمل إلى أجواء جديدة ومختلفة تماماً.
هذا ما قدمه المخرج الكويتي علي الحسيني بعرضه المسرحي "القلعة"، الذي أداه كلٌ من "فيصل العميري وعبد الله التركماني"، على خشبة المسرح الرئيسي ضمن فعاليات اليوم الخامس من مهرجان الأردن المسرحي بدورته الثالثة والعشرين، والذي يقام بالمركز الثقافي الملكي بالعاصمة الأردنية عمان.
الانتقام.. حين يصير الضحية قاتلاً
جندي هارب من الخدمة لرفضه أوامر القائد بقتل عجوز يمتطي حماره، يبعث برسالة مزيفة إلى القائد يعلمه من خلالها أنه ورث ملكية من الأراضي بإحدى المدن المهجورة، وبالطريق يلتقيان ولكن ليس صدفة أبداً بعد أن يحاول الجندي إيقاف القائد ويطلب منه إيصاله إلى المقبرة.
هنا تبدأ أحداث القصة بالتكشف من خلال الحوار الذي يحدث بين الشخصيتين، ليتبين أن القائد كان قد اختطف زوجة الجندي وعذبها ليسلم الجندي نفسه، وبالوقت الذي تهرب فيه الزوجة، تهرب أيضاً أم القائد من منزله لعدم رضاها على جرائم وأفعال ابنها، وتعمل الأقدار على جمع الأم والزوجة، إذا تقوم الأولى بالعناية بالزوجة حتى تلاقي أجلها، ولا تستطيع الأم إكمال حياتها وتبادر بالانتحار. ويقطع الجندي وعداً لزوجته بأن يحضر القائد ويقتله انتقاماً لها، وذلك عبر إرسال تلك الرسالة المجهولة والمزعومة، التي أرسلت له القائد إلى حيث يريد، ويحتدم الصراع بين الاثنين، حتى يصل إلى النهاية التي تفاجئ الحضور بأن كلاهما بمستشفى للأمراض العقلية.
العمل مضموناً وأداءاً..
بالرغم من القصة المشوقة التي عرضها العمل، إلا أن أداء كل من العميري والتركماني لم يكن بحجم التوقعات التي حملها الحضور عن العمل، وعن ما يقدمه هذان الفنانان بالعادة، فاعتمد كلاهما على أداء موحد، ومشاعر واحدة فقط طوال العمل وهي مشاعر الغضب، ولم يكن هناك أي تنويع رغم التناقضات الكبيرة التي يحملها المضمون والقصة، والصراع الهائل الذي يكوّن شخصياتهما، والذي كان من الممكن أن ينتج عنه العديد من الانفعالات التي تعتبر ساحة كبيرة للفنان لوضع بصمته والاستعانة بكامل أدواته الفنية من خلالها، الأمر الذي حصر العرض بشكل واحد من الأداء، ومن المؤسف أن "الصراخ" كان سيد هذه الانفعالات بعمل يعتبر ثرياً جداً بالمسرح والدراما.
أما بالنسبة للنص والحوارات، فكان هناك الكثير من الثرثرة والكلام المكرر حول نفس الموضوع والأفكار، بحيث خلق الأمر الكثير من "المماطلة" بالأداء والحوارات للوصول إلى الصراع الحقيقي، الذي كان مشوشاً لحظة الوصول إليه، ومن جهة أخرى، دلَّ هذا الأمر إلى ضعف الكاتب بخلق حوارات تكون بحجم اللقاء بين غريمين يحملان كل هذا التاريخ وكل هذه التناقضات، إذ أن الاشتغال على هذه العلاقة كان يحتاج بعداً وجودياً أعمق وأبعد تأثيراً.
إضافة إلى الحل الإخراجي الذي اختتم به العرض، وهو أن كلا الشخصيتين بمستشفى للأمراض العقلية، فكأن المخرج حاول مصالحة الجماهير بعد الدراما الطويلة التي قدمها والتي امتلأت بالصراخ، غير أنه لم يكل حلاً إخراجياً موفقاً على مستوى المضمون، لكثرة ما تم استخدامه بالعروض المسرحية، إذا يرى به المخرجون عادة هروباً موفقاً ومريحاً لصنع النهايات، ووضع خاتمة كانت فيما مضى تصنع نوعاً من الدهشة.
من أنقذ مسرحية "القلعة"..؟
بالرغم من كل الملاحظات التي تم ذكرها سابقاً بما يخص أداء الممثلين ومضمون العمل والنصّ، إلا أن العرض الكويتي "القلعة" قدم لجمهور المهرجان متعة بصرية هائلة، أذهلت الجميع. ومن هنا يمكننا أن نقرّ بأن أبطال العمل ونجومه كانوا مصممي وتقنيي الإضاءة والديكور، لما قاموا به من عمل يجب الوقوف عنده طويلاً، ولإنقاذهم العمل بالمشهدية الساحرة التي قدموها على خشبة الرئيسي.
حيث بدأ العمل مع مشهد السيارة، إذ قدموا حالة سينمائية من خلاله، بتصميمهم للسيارة التي ركبها الممثلين، وتحريكهم لها على المسرح بشكل قارب على الحركة الحقيقية للمركبات، لا سيما مشهد تدهورها وسقوط الشخصيات منها للانتقال إلى مكان المقبرة.
ومن جهة أخرى، وبمتعة بصرية ثانية حين تم الإشتغال على القبور نفسها في مشهد المقبرة، فاستطاع مصمم الديكور أن يسرق دهشة وتصفيق الحضور بمشهد خروج روح أو طيف زوجة الجندي الهارب من القبر واختفائها فجأة حين حاول الجندي عناقها، بتقنية متقنة عبر استخدام لعبة بدت طوال العرض كجزء من القبر.
وأيضاً بمشهد النهاية، الذي غفر للمخرج استخدام مستشفى الأمراض العقلية كخاتمة لكثرة استخدامه كما ذكرنا سابقاً، إذا أخرج مصممو وفنيو الديكور أسرّة للمرضى النفسيين من القبور عليها بعض الألعاب والحاجيات التي خرجت عن نصّ وأجواء العمل إلى أجواء جديدة ومختلفة تماماً.