افتتح مهرجان دبي السينمائي دورته الجديدة مع فيلم "Miss Sloane"، للمخرج جون مادن وبطولة جيسيكا شاستين. تظهر في الفيلم شخصية إليزابيت سلون Elisabeth Sloane التي تلعب دورها الممثلة جيسيكا شاستين، بشعرها النحاسي وأحمر شفاهها القرمزي، سيدةً فولاذية، وسياسية ناجحة، لتكشف لنا عالماً يخطف الأنفاس، متخفياً في جماعات الضغط التي تعمل على إحدى أكثر القضايا الأمريكية حرجاً وإلحاحاً وهي النقاش الدائر حول السيطرة على الأسلحة.
فالتشريع الذي يعمل عليه الكونغرس يتطلب المزيد من التحقيقات والتأكيدات حيال اقتناء الأسلحة، في حملة تترأسها سلواني، لتضع ثقلها في مواجهة خصومها السياسيين بأشكال درامية مذهلة. لكن هذه السيدة التي تقودها الرغبة للفوز بأي ثمن، تجد مهنتها على المحك في لحظة، وتكتشف أن الفوز هذه المرة ستكون تكلفته أعلى بكثير مما تخيلت. فبدل أن تأخذ سلواني التي كانت تتمتع بسمعة ساطعة كونها واحدة من أقوى اللاعبين في كواليس واشنطن، الخيار الأسهل، والقبول بالرضوخ للمدرسة القديمة في اللعبة، ترفض عرض رئيس مجموعة ضغط اقتناء الأسلحة، والذي استدعاها ليطلب منها العون في إقناع النساء برفض قانون من شأنه أن يضع المزيد من القيود على اقتناء الأسلحة النارية، ولكنها سخرت من طلبه، ليتبين لنا بأن سلون تمتلك بوصلة أخلاقية.
تأسرك شاستين بأدائها المميز، فقد استطاعت منح الحيوية والحضور لشخصيةٍ ربما تحمل من الكينونة الآلية والعدوانية الكثير، إلا أن شاستين أضفت إليها الكثير من الإنسانية، فسحبتنا نحو عمقها من اللحظات الافتتاحية الأولى للفيلم، عندما تقترب الكاميرا إليها، لترصد تلك النظرة الثاقبة، والمنطوية على مجموعة من الانطباعات المركبة، بين امرأة لا تعرف الرأفة، تفهم خصمها، ترصد نقاط القوة والضعف.
تقفز الحكاية على أكثر من خط زمني، في تحول يأخذك لبعد سنتين، نجد إليزابيث وهي تشهد في المحكمة حول خرق القواعد الأخلاقية أثناء ترتيب رحلة لسيناتور إلى أندونيسيا، وهي تكرر مراراً تمسكها بحقها في المادة الخامسة من القانون الأمريكي (وهو جواز عدم الشهادة في حال شعر الشاهد بأنه قد يتورط). تبدو اللهجة المستخدمة في الاستجواب شديدة ومبالغاً فيها بعض الشيء، لينتهي المشهد بفقدان إليزابيث لسيطرتها، واعترافها، لتواجه على الفور احتمالات تعرضها للحبس مدة خمس سنوات.
سلواني ورغم صلابتها، تعاني من الكآبة ولا تحصل على ما يكفيها من النوم، تبحث عن الحب والحميمية، فترافق عدة رجال، إلى أن يصبح أحدهم أقرب إليها، لكن هذا القرب أوصله ليشهد بدوره في المحكمة.
برودة الشخصية وغموضها قد يذكران المشاهد في الكثير من النقاط بشخصية عميلة السي آي إيه مايا التي كانت وراء إيجاد موقع أسامة بن لادن في فيلم zero dark thirty الذي لعبته شاستينفي 2012، لكن ما يميز هذه الشخصية أكثر هو شراستها، فعندما تشعر بأنها حوصرت بالكامل، لا تخفي غطرستها واحتقارها وتنمرها.
لا شك من قدرة الفيلم في ساعتين واثنتي عشر دقيقة، بأخذك في لحظات توترٍ عالٍ، وإن كانMiss Sloane ليس من أروع الأفلام، إلا أنه يتمتع بتقنية جميلة في الإضاءة والصورة، فهو يستحق المشاهدة بالفعل، وإن كان على كاتبه جوناثان بيريرا أن يقدم حججاً أكثر قوة وصلابة، بالأخص عند مشاهد المحكمة، حيث تبدو في هذه المرحلة بعض المماطلة والمبالغة في الخطاب المستخدم من كاتب السيناريو (بيريرا)، فنرى السجالات تأخذ حيزاً طويلاً ومملاً في بعض الأحيان، تميل في أسلوبها للخطابة عوضاً عن التحدث بشكل تلقائي، كما يختفي حيز الفكاهة بشكل مطلق، بالإضافة إلى الكثير من المحاولات للتلاعب بالألفاظ بذكاء. إلا أن الأداء التمثيلي المميز والإخراج رفعا من قيمة النص، وحولاه لفيلم جيد.