في زواياها عبيرٌ من الذكريات .. هنا كانت الفتحة التي كان يُناول عبدالله الحلبي، صاحب مكتبة الحلبي، الكتب، القرطاسيّة والموادّ الغذائيّة منها، بعد أن يتواصل مع الزبون من خلال الهاتف المعلّق على حائطها ليحكي عن قصة عمرها 65 سنة.
في هذه المكتبة، القابعة في منطقة طريق الجديدة، كلّ صورة موجودة تعبّر عن حكاية خاصّة بها. يتكلّم عبدالله والشّغف واضح على محياه، تلمع عيناه لذكر الأخبار التي حدثت أمام المكتبة، ويخبرنا أنه حتى الدرج الذي يستعمله للصعود إلى العليّة، يبلغ من العمر خمسينه.
ونحن بانتظار قدوم لانا، الابنة الأصغر لعبدالله، والتي عملت على تجديد المكتبة، يخبرنا كيف استوحى فكرة إقامة مكتبة، بعد سفره إلى لندن وواشنطن.
تأتي لانا، التي خاطرت بترك عملها من أجل تنفيذ هذه المهمة، وتحدثنا عن حلمها التي حققته وتعمل على إكماله: "أنشطة لتشجيع الأطفال على القراءة".
ففي زمن الهواتف الذكيّة لم يعد الأطفال كثيري الاستخدام للكتب الورقية، ويفضّلون الألعاب الإلكترونية على قراءة الكتاب، وحتى بعض الأهالي نادراً ما ينتبهون لهذا الموضوع، مع وجود الكثيرين ممّن يشجعون أولادهم على القراءة ويطلبون القيام بهكذا نشاطات.
هذه الأنشطة هدفها النّاس الذين لا يقرأون كي يتشجعوا للإقدام على هذه الخطوة، وبنفس الوقت تتوجّه الى الذين يقرأون لإخبارهم أن ما يريدونه موجودٌ في المكتبة وبالاسعار المناسبة.
وتضيف: "الأنشطة ستكون متنوعة، ومن الممكن أن تتوجه بعد فترة إلى الأكبر سناً، وصولاً إلى إحضار حكواتي لسرد القصص ذات الحِكَم المفيدة على مسامع الكبار قبل الصغار".
عندما تحدثك لانا عن السنة التي أمضتها وهي تشارك في المعارض من خلال بعض الكتب الموجودة في المكتبة، مع نوادٍ تُعنى بالقراءة، لا يسعك إلّا أن تنتابك القشعريرة.
وتشير لانا إلى أن التعليم ركنٌ أساسيّ من أركان الحياة، وأنها نفسها لا زالت في طور إكمال تعليمها، وأنّ الأولاد الذين أهلهم لا يقرأون، ربّما ينشأون على فكرة قلة القراءة.
وهكذا نشاطات تتوجّه عادةً الى الأطفال من عمر الثالثة حتى الثّامنة، لأنه العمر الأنسب للتّأثير عليهم وغرس القيم والمفاهيم.
وتقول:" أنهم إذا بدأوا بالتأثير على الأولاد، فبعد 15 سنة من الآن، سينشأ جيل مثقف وعلى قدرً عالٍ من الوعي، ممّا يجعل مجتمعنا أفضل".
وعن كيفية لقائها بالكاتبة رانيا الزغير من دار الخيّاط الصّغير، تخبرنا أنهما التقيا في معرض "البيال" الدولي للكتاب، واتفقا على أن يبدآ بسرد قصصٍ للأطفال.
أمّا الكاتبة الّتي يعتمد أسلوبها على الإلقاء التفاعلي مع الأطفال، بدأت سردها باستحضار الأطفال لقبعة تركيزهم، كي يبقوا منصتين لها، ولكن من دون القبعة الخيالية، فإن للكاتبة أسلوب لجميل في سرد القصص للأطفال التي استأنس بها الأهل قبل الأولاد، وهذا ما بدا واضحاً من خلال الضّحكات التي علت في أرجاء المكتبة.
وافتتحت الزغير حكاياتها بقصة "حلتبيس، حلتبيس" لأنه يتحدّث عن حب فتى اسمه "حلتبيس" لفتاة اسمها "لميس"، وقد اختارت الكاتبة خصيصاً هذا الكتاب لتبدأ به، لأنه يتكلّم عن الحب الذي يفصلنا عن عيده أيام قليلة ليس إلا.
رانيا التي قامت بسرد كتبها: "حلتبيس حلتبيس، من لحس قرن البوظة، خخخخ كتابٌ ليس عن حرف الخاء، العملاق العملاق، العملاق العملاق يغنّي سنة حلوة يا سلطة"، حدّثت الأطفال عن المراحل التي يتم من خلالها إنجاز كتاب، من جهة التحضير للأفكار والرسوم، التي من الممكن أن يأخذ إتمامها سنة.
وتخصّ الكاتبة "سيدتي نت" للحديث عن تأثّرها منذ صغرها بدار الفتى العربيّ، وتخصّ بالذّكر قصّة"هي" الّتي تتكلّم عن فلسطين، عن استعانتها بالأطفال لكي يقيّموا كتابها ويأخذوا الملاحظات، لأن للأطفال قدرة إدراكيّة لا يملكها سواهم.
فمثلاً في قصة "حلتبيس، حلتبيس"، فتاة صغيرة بعد عرض القصة عليها، اقترحت أن تتم إضافة عيون إلى شخصية "حلتبيس" التي رسمها الفنان ديفيد حبشي.
وعن سبب اختيارها لمكتبة الحلبي تحديداً لسرد القصص فيها، تقول الكاتبة الحائزة على جوائز عديدة إن "شكل المكتبة التي تقع في حي من أحياء بيروت، يجذبها وهي سعيدة بمشاركة لانا الحلم"، وتضيف أنها الآن تستطيع أن تقول أنّ في الحي مكتبة ممّا "يحرّض" أهالي المنطقة على القراءة.
سوف تمتنع الزغير عن تحديد عمر محدّد لجمهور كتبها لأنّ الرسوم تجذب الكبار والصغار على حدٍّ سواء، وتؤكّد أنها تكتب لتحقيق أحلامها، ولأن الحلم بإمكانه أن يتحوّل من الصور إلى أرض الواقع إذا سعينا إلى تحقيقه.
شاهد الكاتبة وهي تقرأ كتاب "حلتبيس، حلتبيس" داخل المكتبة