للمرَّة الثانية، يجتاز الروائي السعودي الشاب محمد حسن علوان القائمة الطويلة للجائزة العالميَّة للرواية العربيَّة «البوكر»؛ ليصل هذا العام ٢٠١٧ للقائمة القصيرة، التي تعدُّ أهم مراحل الجائزة للفوز بها، وتم اختيار المرشحين للقائمة النهائيَّة في الجزائر في منتصف شهر فبراير الحالي.
لكن هذه المرَّة يصل علوان برواية فريدة في نوعها مختلفة عن إصداراته السابقة بامتيازها، بلغة تاريخيَّة أدبيَّة اعتبرها البعض تحفة معاصرة، وكان التساؤل: لماذا حازت هذه الرواية هذا الإعجاب الكبير وتخطت أهم مراحل البوكر؟
رواية (موت صغير) طريق جديد يدخله علوان لعالم السير الذاتيَّة الروائيَّة، فهي رواية مُتخيَّلة لشخصيَّة تاريخيَّة حقيقيَّة ليست بسيطة في طرحها وجمهورها وعلمها ومكانتها في التاريخ الإسلامي، فمن اقتباس عنوانها من الجملة الشهيرة (الحب موت صغير)، ربما عرفتم من هو البطل.
إنَّه كبير أئمة الحبِّ والمتصوِّفة الشيخ محيي الدين بن عربي، ذو السيرة الزاخرة بالعلم عبر مؤلفاته المترجمة إلى لغات عديدة والموجودة في أهم مكتبات العالم، هذا الشيخ الجليل ستعرفه من خلال رواية علوان محَرَّرًا من هالته الأسطوريَّة، متمثلاً بمكنونات جوانبه الإنسانيَّة.
ربما يتبادر إلى أذهانكم الكثير من الأسئلة، أولها: لماذا اختار الكاتب السعودي هذه الشخصيَّة؟ وثانيها: هل للتوجه الكبير لقراءة سير أعلام الصوفيَّة ونجاح الروايات التي تبنى على تفاصيل حياتهم كـ(قواعد العشق الأربعون) مثلاً، تأثير على علوان في هذا الاختيار؟
كان لـ«سيدتي» حديث خاص مع الروائي محمد حسن علوان، الذي أكد أنَّ بطل روايته أكثر الشخصيات جدلا وحضورًا في تراثنا العربي والإسلامي، فابن عربي لا يزال يحظى باهتمام كبير برأيه، لذلك أغرته سيرته لكتابتها روائيًا لسببين:
الأول: الحقبة الزمنيَّة، التي عاش فيها، والبقاع الجغرافيَّة التي تنقل بينها.
الثاني: غموض سيرته الذاتيَّة واختزالها حتى لا نكاد نعرف عن حياته إلا القليل، مقارنة بما نعرفه من أفكاره التي اختلف حولها الناس.
وتابع علوان حديثه عن أسباب وطريقة سرده وحبكته للرواية، قائلاً: «تخيَّلت حياة ابن عربي في طفولته وشبابه ومشيبه منذ أن ولد في الأندلس وحتى موته في الشام، فقد عاش حياة ملونة انتقل فيها من فكر إلى فكر، وبلد إلى بلد، وحبٍّ إلى حبٍّ، منعَّمًا ومعذبًا، سعيدًا وحزينًا، وحيدًا ومحفوفًا بمريديه وطلابه، كل هذا فتح شهيتي للكتابة عنه وتخيّل كل الأوضاع الحياتيَّة التي مرَّ بها خيالا لا يتعارض مع ما ثبت لدينا من سيرته».
وعن تأثره بنجاح الروايات ذات الطابع الصوفي، قال: «من قرأ روايتي لن يجد فيها ذلك التركيز على الجانب الصوفي من حياة ابن عربي لسبب بسيط؛ هو أنَّ هذا الجانب تم إشباعه بحثًا وتحليلا، ولا يحفزني للكتابة عنه روائيًا، فلقد تناولت ابن عربي الإنسان الذي يكبر ويتغيَّر ويتقلب ويحب ويتزوج، وهذا يختلف إلى حدٍّ كبير عن رواية (قواعد العشق الأربعون)، التي ركَّزت على مرحلة واحدة من حياة جلال الدين الرومي، مع إسقاطات على واقعنا من خلال قصة موازية، وهي رواية رائعة بلا شك، لكنَّها تختلف عن ما انطلقتُ منه وأنا أكتب روايتي».
هي سيرة إنسان أولا وأخيرًا
سألناه عن استقبال المجتمع السعودي لروايته، فأجاب: «لا أعتقد أنَّ روايتي تثير أي قضيَّة جدليَّة؛ لأنَّها باختصار سيرة إنسان أولا وأخيرًا، كان يمكن أن أكتبها عن أي شخص عاش في القرن السادس الهجري وأتيحت له فرصة السفر من مغرب العالم الإسلامي إلى مشرقه؛ ليشهد بنفسه الحياة في ظل دول مختلفة موحدية وأيوبيَّة وعباسيَّة وسلجوقيَّة، تنقلها لكم عيناه من خلال روايتي المتخيلة؛ ما رأى وشاهد وكيف تأثّر وأثّر».