لا حديث في تونس أمس واليوم إلّا عن رشيدة، المرأة التّي تجاوزت الخمسين من العمر، والتّي رفضت بكلّ قسوة الالتقاء بأخيها مريض السّرطان، وقد طلب منها وترجّاها بإلحاح واستعطاف بل إنّه توسّل اليها أن تزوره، وهو طريح فراش الموت، ليراها ويلقي عليها النّظرة الأخيرة قبل وفاته معبّرا عن الأمل في أن تكون بجانبه ساعة يحين أجله، ولكنّها رفضت رفضًا قاطعًا الاستجابة لطلبه رغم عدم وجود خلافات سابقة بينهما.
أمام الملايين من النّاس
وقد ظهرت المرأة برفقة زوجها في برنامج «عندي ما نقلّك» (لديّ ما أقوله لك) على قناة «الحوار التونسي» والذّي يحظى بنسبة مشاهدة عاليّة، وقد دعاها «رمزي» صديق وجار شقيقها المريض إلى الحضور في البرنامج التلفزيوني ليعلمها أمام الملايين من المشاهدين أنّ أخيها «رحيّم» (تصغير لعبدالرحمان) قد نهشه مرض السّرطان، وهو موجود عنده في بيته يأويه ويرعاه ويكفله منذ خروجه من المستشفى، وأخبرها أنّ شقيقها يطالب ليلاً نهارًا وهو بين الحياة والموت بملاقاتها، وأمله أن يغمض عينيه وهي بجانبه، فهو يعيش وحيدًا، ووصف لها حالة شقيقها المأساوية، فهو لم يعد قادرًا بسبب المرض العضال الذّي نهشه على مغادرة فراشه أو حتى الأكل، إلا أنّ الأخت لم تتأثّر لوضع شقيقها ورفضت بشكل واضح وبكل إصرار وتعنت ملاقاته أو نقله معها متعلّلة بأنّ مرضه معد، وأنّه لا مكان له في منزلها لتسكنه معها وترعاه، معلنة أنها ترى أنه يجب تركه في المستشفى إلى أن يقضي نحبه.
قلب من حجر
لم تأبه رشيدة لحال شقيقها الذي لا زوجة له ولا أولاد، ولم تظهر عطفًا عليه أو رحمة به، وهو الموجود عند غريب لا صلة قرابة به، بل كانت غير مكترثة وكأنّ قلبها من حجر.
ورغم إلحاح علاء الشابّي مقدّم البرنامج التلفزيوني على المرأة لتلبّي رغبة شقيقها في رؤيتها قبل مماته فإنّها تمسّكت بالرّفض، واللافت أن زوج المرأة كان أشدّ صرامة منها اذ قال بصريح العبارة أنهما لا يرغبان في زيارته أو استقباله أو حتّى رؤيته رغم أن له صلة قرابة بالرجل المريض (ابن خالته او ابن عمته) إلى جانب كونه صهره.
هذه الحادثة هزتّ الرأي العام التونسي أثناء متابعتهم للبرنامج في التلفزيون، وبعد ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، وبقدر ما أشاد الناس بموقف رمزي الذّي قام رغم خصاصته وظروفه الماديّة الصعبة بكفالة جاره المريض والعناية به، بقدرما ندّدوا وأدانوا موقف الأخت التي تنكّرت لصلة الرّحم.
توفّي غريبًا
وقال بعض المعلّقين التونسيّين على هذه الحادثة إنه لو كان هذا الرّجل غنيًّا وسيترك إرثًا بعد وفاته لكان موقف شقيقته وزوجها منه مختلفًا، ولكن «رحيّم» عاش فقيرًا غريبًا ووحيدًا فقد نزح من مدينته «جندوبة» بالشّمال الغربي للبلاد التّونسية إلى العاصمة تونس وعمل حارسًا في سوق شعبيّة، وسكن في غرفة من لوح «برّاكة» داخل السوق، إلى أن هاجمه المرض العضال.
وقد توفي «رحيّم» بعد أيام قليلة من رفض أخته زيارته، أو حتى مكالمته هاتفيًا وتولّى صديقه وجمع من الجيران في حيّ «ابن خلدون» الشّعبي دفنه ولم يحضر أحد من أهله جنازته.