من بين أزقة دمشق وجدرانها وحاراتها، ومن عبق ياسمينها وفلها وآسها، ومن مآذنها وكنائسها وأشجارها، أتى محملاً بكل الحب والرقة والوجد، جامعًا للضدين بين الحب والتمرد، وبين الدبلوماسية والثورية، وبين التمسك بالجذور والقيام على الموروثات البالية، فأن تجمع النقيضين فهذا ليس بالأمر السهل، لذلك أختُلف في أمر شاعرنا الذي ولد في مثل هذا اليوم، فمنهم من قال عنه بأنّه قديس ومنهم من جعله النقيض.
إنّه نزار بن توفيق القباني، دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 آذار/ مارس عام 1923م، من أسرة دمشقية عربية إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رواد المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه فيها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلاً بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966.
بداياته
كان عمره 16 عامًا، عندما سافر سنة 1939 في رحلة بحرية إلى روما مع المدرسة، وأثناء وقوفه على سطح السفينة، شاهد الأمواج والأسماك، وهي تقفز حول الباخرة فجاء أول بيت شعري ثم الثاني والثالث والرابع على خاطره، فنزل سريعًا وكتب الأبيات كي لا ينساها ولا تضيع، واضعًا إياها طي الكتمان حتى لايسخر أصحابه منه، ونام تلك الليلة، في يوم 15 آب/أغسطس ولأول مرة في حياته، شاعرًا للمرة الأولى واستيقظ وهو شاعر.
ثائرة نزار قباني
لم يثر قباني على الدين بل ثار على الخرافة والعبودية، وأثرت في نزار حادثة مقتل عمه خليل فجاهر بمبادئه المعادية للذل، والداعية إلى التمرد على العادات والتقاليد التي تقلل من قيمة الإنسان.
تأسيسه مفهومًا جديدًا للحب
كان لانتحار شقيقته التي أجبرت على الزواج من رجل لم تحبه، أثر كبير في حياته، قرر بعدها محاربة كل الأشياء التي تسببت في موتها، وعندما سئل نزار قباني إذا كان يعتبر نفسة ثائرًا، أجاب الشاعر: إن الحبَّ في العالم العربي سجين وأنا أريد تحريره، أريد تحرير الحس والجسد العربي بشعري، فإن العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمعنا غير سليمة.
نذكر مقتطفات من شعره «قصيدة الحب يا حبيبتي»
الحبُّ يا حبيبتي
قصيدةٌ جميلةٌ مكتوبةٌ على القمرْ
الحبُّ مرسومٌ على جميعِ أوراقِ الشجر
الحب منقوشٌ على ريش العصافير
وزخات المطرْ
لكنَّ أيَّ امرأةٍ في وطني
إذا أحبتْ رجلاً
ترمى بخمسينَ حجرْ
نقطة التحول في شعر نزار
وكان ديوان «قصائد من نزار قباني» الصادر عام 1956 نقطة تحول في شعر نزار، حيث تضمن هذا الديوان قصيدة «خبز وحشيش وقمر» التي انتقدت بشكل لاذع خمول المجتمع العربي، وأثارت ضده عاصفة شديدة، حتى طالب بعض المتشددين في سوريا بطرده من الخارجية وفصله من العمل الدبلوماسي.
نزار والنساء
تزوّج نزار قباني مرتين، الأولى من ابنة عمه «زهراء آقبيق» وأنجب منها هدباء وتوفيق. والثانية عراقية هي «بلقيس الراوي» وأنجب منها عُمر وزينب، قُتلت بلقيس الراوي في انفجار السفارة العراقية ببيروت، وترك رحيلها أثرًا نفسيًا سيئًا عند نزار ورثاها بقصيدة شهيرة تحمل اسمها بلقيس.
وفاته
في عام 1997 كان قباني يعاني من ترد في وضعه الصحي وبعد عدة أشهر توفي في 30 أبريل 1998 عن عمر ناهز 75 عامًا، بسبب أزمة قلبية في لندن، وقد أوصى بأنّ يتم دفنه في دمشق.
كانت ثمرة مسيرته الشعرية إحدى وأربعين مجموعة شعرية ونثرية، كانت أولها «قالت لي السمراء» 1944 وآخرها «أبجدية الياسمين» عام 1998 حملت بصمة وتأثير نزار فى الشعر العربي الحديث، وترك مدرسة أصبحت تُعرف بالمدرسة النزاريّة الشعرية.