الزائر إلى لندن هذه الأيام يلاحظ هذا الحضور الكبير لزهور الخشخاش الصناعية الحمراء التي يضعها البريطانيون في عروات الثياب أو القبعات، وحتى في السيارات وكتب الدراسة، ولا يستثنى في ذلك صغير أو كبير، ارستقراطي أو بائع صحف، سياسي أو متسول..
فالكل مصممون على إعلان مشاعرهم واستخدام هذا الرمز من أجل التذكير بقتلى الحربين العالميتين الأولى والثانية، اللتين حصدتا أرواح الملايين من الجنود اليافعين الذين يشبهون زهور الخشخاش الجميلة والمفعمة بالحياة، والتي سرعان ما تذوي وتذبل بعد أيام قليلة من تفتحها، وما أشبه هذا بحياة الجنود الصرعى في معارك الحروب. ويعود هذا الرمز بالأساس إلى قصيدة كان قد كتبها طبيب كندي مجند، إبان الحرب العالمية الأولى تحت عنوان (في حقول فلاندرز)، وهي حقول فرنسية شهدت معارك عنيفة إبان الحرب العالمية الأولى، وقد جاء في قصيدته هذا الربط بين الزهور وقتلى الحروب، وسرعان ما تلقف الجنود هذه القصيدة وبدؤوا يترنمون بها.
وبعد سنوات وضعت إحدى السيدات النيويوركيات زهرة خشخاش حمراء في عروة قميصها تعبيراً عن أسفها وألمها على ما تفعله الحروب في البشر، ثم انتشر هذا الرمز بعد سنوات قليلة ووصل إلى أوروبا وأستراليا، وصارت القصيدة نشيداً وطنياً في كندا، وإحدى مقررات منهج الثانوية في بريطانيا.
واليوم يضع ملايين البشر في شهر نوفمبر زهرة خشخاش حمراء، كي يرسلوا رسائل صامتة ضد الحروب وضد من يشعلها وضد من يهلل لها.