تتمتع السعودية بمواقع سياحيّة تمتلك أهميّة ثقافيّة وتاريخيّة كبيرة. وتعتبر، في هذا الإطار، "مدائن صالح" من بين المواقع الأثريّة التي تعود إلى ما قبل الإسلام. تقع في محافظة "العُلا" في شمال غرب البلاد، على بعد 400 كيلومتر شمالي المدينة المنوّرة. وتعرف أيضًا باسم "مدينة الحجر".
تعود إحدى أهمّ بقايا "مدائن صالح" إلى مملكة الأنباط التي أُسّست سنة 168 قبل الميلاد. كانت "مدائن صالح" ثاني أكبر مدينة من حيث أهميّتها. وشهدت مملكة الأنباط ازدهارًا كبيرًا بفضل موقعها إذ أنّها كانت تشكّل تقاطعًا لعدد من الممرّات التجاريّة. كما أنّها كانت تحتكر تجارة البخّور والبهار. ويغطّي موقع "مدائن صالح" منطقة تبلغ مساحتها 12 كيلومترًا مربّعًا، وهو واقع على أرضٍ منبسطةٍ، على سفح هضبة من الصخور البركانيّة. وتملأ المكان تشكيلات من الصخر الرمليّ صفراء وزهريّة اللون نتحتها الهواء في أجمل الأشكال. وحدها المعالم الجيولوجيّة تجعل من هذا المكان لا يفوّت إذ أنّها أدّت إلى نقش الأحجار على هيئة منازل وهياكل ومقابر زُيّنت بكتاباتٍ نُقشت على واجهاتها. ولم يبق الكثير من معالم "مدائن صالح" السكنيّة المحظورة عن الجماهير، لأنّها صُنعت من قرميد الطين المجفّف الهشّ. لكن، تمّ نحت القبور حولها من تشكيلات الحجر الرمليّ وتمكّن 131 قبرًا منحوتًا في الصخر من الصمود ومحاربة عوامل الطبيعة.
حصن عثماني
من جهةٍ أخرى، لا يمكن إيجاد أيّة زينة داخل القبر الفارغ. عندما أصبحت مملكة الأنباط جزءًا من المحافظة الرومانيّة، أصبح هذا المكان شبه مهجور إذ أنّ الرومان كانوا يلجأون إلى البحر الأحمر لحاجاتهم التجاريّة. وبالتالي، تحوّلت "مدائن صالح" إلى محطّة ذات أهميّة ثانويّة تؤمّن المياه والإمدادات للحجّاج الراغبين بزيارات "مكة المكرمة". لكن، بنى العثمانيّون حصنًا في هذا المكان في القرن الثامن عشر لحماية طريق الحجّ.
وفي السبعينيّات، أعلنت السعوديّة رسميًّا "مدائن صالح" موقعًا أثريًّا. وابتداءً من سنة 2000 حتّى يومنا هذا، أبدت الحكومة رغبتها بتعزيز الإرث الثقافي وتطوير الموقع لكي تجذب أكبر قدرٍ ممكنٍ من السائحين إليه. كما أنّ أعمال بناء مطار في "العلا" استُهلّت وبدأ المطار بتشغيل العمليّات على الرغم من أنّ الرحلات محدودة بعض الشيء. أمّا الآن، فتخضع سكّة حديد الحجاز إلى الترميم.
نصيحة للزائر
ينصح أيضًا بزيارة "موقع العُلا التراثي" المعروف على صعيدٍ محليّ بـ "الديرة" أو "المدينة القديمة". وتضمّ ما يزيد عن 800 مسكن محاط بحائط واحد يشمل 14 بوّابة كانت تُغلق كلّها خلال الليل لحماية السكّان من الغزاة. وعند التجوّل في هذه القرية، يشعر المرء وكأنّه في دهاليز، إلّا أنّ صغر المكان يمنع زائره من ضلال الطريق في الأروقة الضيّقة المغطاة بالشوادر لحماية الجميع من الحرارة المرتفعة. بالإضافة إلى ذلك، نلاحظ أنّ أساس الأبنية بطبقتين مصنوعة من حجر، بينما الطبقات العليا مصنوعة من قرميد الطين. واستعملت أجذاع أشجار النخيل أو القصب المغطاة بالطين لبناء السقوف. وتمّ اللجوء إلى صخور الركام الموجود على مقربةٍ من الموقع، وبالتالي يمكن إيجاد كتابات ونقوش وزخرفات تعود إلى عهد مملكة لحيان.
ويقع قصرٌ كبيرٌ يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد بمحاذاة القرية القديمة وكان يُستعمل لحماية السكّان. ويُكافأ الزائرون الذين يأخذون عناء تسلّق أعلى القصر بمشاهد لا مثيل لها.
ويُعتبر "متحف علم الآثار والأنثروبولوجيا الوصفية" الواقع في مدينة "العُلا" الجديدة طريقة رائعة للإطّلاع على جيولوجيا المنطقة والطُرقات المؤدية إلى أماكن الحجّ. فهو يتضمّن الكثير من التحف الاتية من الحضارات المختلفة التي سكنت في وقتٍ أو في آخر المنطقة، بما في ذلك الأنباط. ويمكن زيارة هذا المتحف المميّز خلال ساعة أو ساعتين. وبعد قضاء يومٍ طويلٍ باستكشاف المواقع التاريخيّة المثيرة للدهشة، يجب الحرص على مشاهدة غروب الشمس من التلال فوق "العُلا" إذ أنّ ألوان الصخور والواحات تتغيّر وتصبح خلّابة.
هل أعجبكم الموضوع؟