لا يستطيع كلٌ منا أن يظهر مشاعره بالشكل الذي ينبغي، ويعاني البعض من صعوبة توصيل المشاعر، وهنا يطرح العديد من الأسئلة: هل أحيانًا نستطيع التعبير وإظهار مشاعرنا وتوصيلها إلى البعض دون آخرين؟ هل نعاني من مشكلة ما، تجعلنا غير قادرين على الإفصاح عن مشاعرنا، إن كانت سلبية أو إيجابية؟ هل هناك أشخاص يختارون بالفعل أن يخفوا مشاعرهم؟ ولماذا؟
الأمر برمته يتعلق بسؤال أكبر، وهو: هل إخفاء المشاعر أمر غير صحي؟ هنا سيجيب عن تلك التساؤلات، الأخصائي النفسي منتصر نوح، والذي يقول: وجدانيًا وداخليًا جميعنا نشعر بالحزن والفرح والحب والنجاح والإخفاق والغيرة والمشاعر كافة، جميعنا نشعر بها داخليًا، ولكن هناك من يستطيع التعبير عن هذا بسهولة، وتوصيل المشاعر السلبية أو الإيجابية؛ فقد يستطيع بعض الأشخاص التحكم في مشاعرهم وعدم البوح بها إلى أي شخص، وإنما يستطيعون فعل ذلك مع أشخاص معينين، يضعون ثقتهم فيهم؛ فنحن هنا بصدد 3 أنواع:
النوع الأول:
من يختار وينتقي من سيبوح له بمشاعره، ويظهرها إن كانت حبًا أو غيرة أو حزنًا، وهذا الشخص يقوم بذلك اعتقادًا منه أن أي شخص لا يثق به، قد يراه «أحمق» أو متهورًا أو ضعيفًا؛ فيقوم بالتراجع عن إظهار مشاعره، إن كانت فرحًا أو حزنًا أو حبًا أو امتنانًا، ويحتفظ بها لنفسه أو لمن يثق بهم ليخبرهم عنها؛ حتى لا يظهر أمام أصدقائه قليل الحكمة أو متهورًا، هذا النوع الذي يتحكم في وقت إظهار مشاعره وإخفائها، لا يعني وجود أمر غير صحي أو مشاكل نفسية، هو فقط يفتقر للثقة بنفسه وبمن حوله، من تجارب سابقة مرت به عندما كان يفصح عن مشاعره.
النوع الثاني:
هم أشخاص لا يجدون أي صعوبة في الإفصاح عن مشاعرهم، وتجدهم حساسين، ويستطيعون أن يوصلوا لك مشاعرهم وينقلوها حرفيًا؛ فتعيش من خلال أحاديثهم معاناتهم، وتعيش أيضًا لحظات فرحهم وحبهم، ويستطيعون أن يغمروك بالدفء؛ فإذا فرحوا بسببك يفصحون عن هذا بسهولة وتلقائية بدون بذل أي جهد للتعبير، وإن حزنوا منك أيضًا فلا يخشون أن يفصحوا عن مشاعرهم التي تزعجهم كثيرًا إذا أخفوها وجعلوها بين صدورهم، وهذا النوع واثق في نفسه، ولا يجد أن الإفصاح عن مشاعره السلبية أو الإيجابية شيء يقلل من قيمته أو نظرة الناس له، وأكثر ما يعيبه، المبالغة في الحزن والفرح والحب.
النوع الثالث:
هو نوع يعاني من مشكلة نفسية واضطراب في العواطف، وهو النوع الذي لا يستطيع أن يبوح بمشاعره؛ بل تظل كامنة داخله فقط، وهو من يشعر بها، وهذا النوع نسميه في علم النفس بمصطلح «الشخصية القهرية»، صاحب هذه الشخصية لديه قصور في التعبير عن عواطفه، وقدراته محدودة في نقل أحاسيس الدفء والمودة؛ فهو يبدو جامدًا وقويًا ومتحفظًا، لا يظهر إلا القليل من مشاعره، وهذا لا يعني أنه متبلد المشاعر، لكنه قصور في التعبير والتوصيل، وكأنها حالة من البخل العاطفي؛ حتى إذا عبر عن مشاعره؛ فهو يعبر بطريقة متحفظة شبه رسمية ومحدودة، هذه الشخصية لا يوجد تعمد منها لإخفاء مشاعرها، ولكن هذه هي قدراتها؛ لذا لا يشعر الناس بأي دفء يشع من صاحب هذه الشخصية؛ بل يشعرون ببروده، وقد يفسر هذا البرود من قبل الآخرين بأنه تعالٍ وتكبرٌ؛ لذا يكون هذا الشخص قليل الأصدقاء، والناس لا تقترب منه، كما أنه يختار أصدقاءه بعناية شديدة، وتكون لديه شروط معينة وقاسية حتى يدخل بعض الناس في الدائرة المقربة له، ويمكن معالجة هذا النوع من خلال جلسات علاج إدراكي، نقوم فيه بتدريب المريض على كيفية التعبير عن مشاعره، وأن يقوم بإخراجها؟