أن تعيش حياتك من دون أن تشعر بأي ألم، مهما كانت الإصابات خطيرة وسيئة، هذا أمر قد لا يتقبله أي عقل بشري، ولكنه موجود بالفعل، وبشكل حقيقي، حيث اكتشف عدد من العلماء في إيطاليا، عائلة كاملة، تعاني من طفرة جينية غريبة ونادرة، أفقدتهم أي إحساس بالألم، عائلة «مارسيلي»، التي قد تستمر هذه الحالة معها لثلاثة أو أربعة أجيال لاحقة، وكأنهم عائلة من «الأبطال الخارقين».
وكشف العلماء الذين أجروا تحليلاً للحمض النووي لعائلة «مارسيلي»، التي تتكون من 6 أفراد، أن هذه الطفرة الوراثية الغامضة تلغي بشكل فعال تأثير الألم، وقد تجعلهم يشعرون ببعض الألم في بداية الأمر، إلا أن هذا الإحساس يختفي نهائياً، ولا يعود إليهم أي شعور بألم الإصابة سواء كانت كسوراً خطيرة أو حروقاً شديدة، حتى أنهم بالكثير من الأحيان لا يدركون إصابتهم بأي شيء من الأساس، ويتمنى العلماء أن هذه الحالة قد تساعدهم في إيجاد علاج للآلام المزمنة.
ومن جهته أكد عالم البيولوجيا الجزيئية «جيمس كوكس» لمجلة «انديبينديت»، أن أفراد عائلة «مارسيلي» أحياناً قد تحس بالألم في بادئ الأمر، لكنه سرعان ما يختفي، فمثلاً، في حال كسرت الوالدة «ليتيسيا» ذات لـ52 عاماً كتفها خلال التزلج، سوف تتابع ما تقوم به حتى نهاية اليوم، وسوف تقود السيارة إلى البيت بشكل طبيعي، ولن تعرف بوجود مشكلة حتى تتلقى الفحوصات الطبية.
ومن جهتها، صرحت «ليتيسيا مارسيلي» لوسائل إعلام عالمية، أن ابنها «لودوفيكو» البالغ من العمر 24 عاماً، اعتاد لعب كرة القدم، وحين يُصاب تختفي تماماً هذه الإصابة ويكمل اللعب، ونادراً ما يبقى على الأرض إذ ينهض مسرعاً ليتابع اللعب، مهما كانت الإصابة خطيرة، إلا أنه مصاب بهشاشة الركبة، ويعانى عادةً من التشوهات في ركبتيه، إذ أظهرت صور الأشعة السينية أنه يعاني الكثير من الكسور الصغيرة فيهما.
وليس ليتيسيا وابنها لودوفيكو وحدهما من يعانون، من هذه الطفرة، إذ أن أم ليتيسيا، والبالغة من العمر 78 عاماً، كانت قد أصيبت بكسور لم يتم تشخيصها إلا بعد عدة أعوام، ولم تحس بها مطلقاً لكنها لم تشفَ أبداً، وإلى جانب ذلك فإن هذه الطفرة الجينية النادرة تؤثر أيضاً على قدرتهم على تمييز درجات الحرارة العالية، ما يعرضهم دائماً للحروق دون أن يدروا.
وتؤكد ليتيسيا، أنها هي نفسها تعرضت لكسر خطير في منطقة الكتف ذات مرة، لكنها لم تذهب إلى المستشفى إلا بعد يومين من الحادثة، ولم تشعر إلا بخدر خفيف في أصابعها، كما أن ماريا مارسيلي شقيقة ليتيسيا، هي الأخرى تعاني من الأمر نفسه، حيث اكتشف الأطباء أن سقف حلقها ممتلئ بالحروق والالتهابات بسبب شربها للسوائل والمشروبات الساخنة جداً دون أي إدراك منها.
وتشير ليتيسيا أن عائلتها تعيش بشكل طبيعي للغاية، وربما أيضاً قد تكون حياتهم أفضل من معظم الناس الآخرين، لأنهم قلما يشعرون بأي ألم، أو حتى يصابون بالأمراض، وأن هذه المسألة إلى الآن قد تكون هبة إلهية، ولا يعرفون كيف ستتحول إلى عكس ذلك.