للأم مكانة عظيمة في النفس البشرية، وفي القلب احتلت أعلى الدرجات؛ فهي الوطن الصغير، الحبيبة الأولى والأخيرة، هي الأم التي تهب كل شيء ولا تطمع في أي شيء، القلب الذي يعزف أرقى الألحان، ومن هذه العظمة ولها كتب الأدباء وأبدع الشعراء؛ فلم تخل رواية من نموذج للأم، ولا ديوان من قصائد تمجد سيرتها المُدعاة للفخر... مع بعض من هؤلاء الشعراء والأدباء العرب والأوربيين نقرأ معاً.
الروائي المصري نجيب محفوظ(1911-2006)
الروائي الحاصل على جائزة «نوبل» في الأدب عام 1988، حظيت معه الأم بمكانة بالغة الأهمية؛ حيث يقول: «لعبت أمي دوراً إيجابياً في تشكيل شخصيتي، وتحديد مساري الأدبى، رغم أنها لم تكن تجيد القراءة والكتابة، فلقد علمتني الحياة؛ كانت مخزناً للثقافة الشعبية؛ دائماً ما تأخذني معها في زيارتها للمتاحف ومشاهدة الآثار الإسلامية والقبطية دون فرق، وأنا طفل صغير بعد -8سنوات-، فضلاً عن غرامها بسماع الأغاني القديمة، وكانت علاقتي بها أوثق من علاقتي بأبي؛ نظراً لأنني لازمتها وأقمت معها، وهي التي امتد عمرها حتى تجاوزت المئة».. وهل ينسى أحد منا « أمينة» الأم في ثلاثية نجيب المشهورة- بين القصرين، زقاق المدق، السكرية- التي رسمها بقلمه نموذجاً للأمهات الطيبات الوديعات المتسامحات المتفانيات في خدمة الأسرة والأبناء؟!
عبد الرحمن الأبنودي (1938- 2015)
«أنا ابن أمي فاطمة قنديل وجدتي ست أبوها» هكذا كان يعرف الشاعر عبد الرحمن نفسه، وهو يعد من أشهر شعراء العامية في الوطن العربي، وكأنه حارس للتراث وراوٍ للسيرة الهلالية والروايات الشعبية عن أمه يقول: «أمي هي ملهمتي الأولى التي صنعت مخزوني اللغوي والشعري، لاتجيد القراءة والكتابة ولكن في ذاكرتها تحفظ كل أغاني التراث والحكايات؛ في قريتي لا يوجد فعل لا يصاحبه غناء، وفي بيتنا الفقير بالذات كانت أمي تغني ليل ونهار، كانت تهدهدني طفلاً صغيراً في حجرها بالأغاني؛ حتى بات صوتها وصورتها جزءاً من تكويني، وضيفاً في الكثير من قصائدي..
محمود درويش (1941-2008)
شاعر الأرض والوطن والمقاومة الفلسطينية، في دواوينه مزج بين حب الوطن والأم؛ حيث كان يرى أمه وطناً يتسع للجميع، نور الشمس تغطي الجميع، القلب الذي لا يعرف الحقد ويمتلئ بالفرح المطلق والحب المتناهي، وحدث أن اُعتقل درويش بسبب حبه للوطن، عندها اكتشف كم تحبه أمه، وعندما زارته وهو وراء القضبان ومعها الخبز والقهوة احتضنته بقوة ليعلم من جديد أن حضن أمه وطنه الآمن، ومن بعدها كتب قصيدته الشهيرة «إلى أمي»: أحن إلى خبز أمي.. وقهوة أمي.. ولمسة أمي.. ويكبر في الطفولة يوماً على صدر أمي.. أعشق عمري لأني إذا مت يوماً أخجل من دمع أمي».
نزار قباني (1923-1998)
الشاعر الذي أحب وكتب عن المرأة بكل تفاصيلها وقال: «تعلمت هذا العشق في حضن أمي التي باتت نموذج الأنثى في حياتي. «في معظم قصائده يمزج بين حنينه لدمشق ولصدر أمه، وظل دوماً يرى نفسه طفلاً مليئاً بالشغف ناحية أمه؛ فصورّها في العديد من أشعاره، وظل شعور الطفل مسيطراً عليه يلازمه حتى السبعين من عمره، حيث يقول: وطفت الهند، وطفت السند، طفت العالم الأصفر، ولم أعثر على امرأة تمشط شعري الأشقر، وتحمل في حقيبتها إليّ عرائس السكر، وتكسوني إذا أعرى، وتنشلني إذا أعثر، أيا أمي، أنا الولد الذي أبحر ولا زالت بخاطره تعيش عروسة السكر... فكيف يا أمي غدوت أباً ولم أكبر؟.
جبران خليل جبران (1838 - 1931)
شاعر المهجر الذي كان يعتبر أمه هي السكن والوطن في بلاد المهجر، فهي الأم التي قررت أن تبحث عن مستقبل أطفالها في آخر الدنيا.. ربما يجدون سعادتهم هناك، سافرت أمه السيدة كاملة رحمة مع جبران وإخوته إلى أمريكا وامتهنت الخياطة.. وهذه الحياة صنعته.. وعن ذلك قال: أمي تخاف عليّ من الحياة وأنا أخاف الحياة من دون حامٍ، وقال: أمي أجمل ثلاث نساء في العالم؛ أمي وظلها وانعكاس مرآتها، ولما رحلت وجبران في شبابه تركت قلبه فارغاً وبفلسفته لخص وجود الأم في كل بيت كالنور فقال: كل البيوت مظلمة إلى أن تستيقظ الأم، وعلى صفحاته كتب: لم أنتظر منك أي شيء، لم أطلب عطفاً ولا بكاءً ولا عراكاً، ولا حتى أن تقاتل الدنيا معي.. كنت أحتاج أن أشعر بقلبك معي.. لا أكثر.