أحمد، صاحب المشكلة «28 عاماً»، يعمل مهندساً في أحد القطاعات الحكومية، الذي يروي لنا تفاصيل معاناته، قائلاً: «عرضت شقيقاتي الـ5 عليّ قائمة من الفتيات؛ كي أختار منهن من تتناسب مع شروطي، فأخبرتهن بأني أرغب بالزواج بمن تختارها والدتي؛ ثم انتقت لي شقيقاتي إحدى الفتيات، فتقدمت لخطبتها، وبعد أسبوعين جاءنا الرد بالرفض، ولا يمكنني أن أخفي أن رفضي كان مؤلماً إلا أنه كما قالت لي أمي «قسمة ونصيب»، ثم خطبن لي بعد ذلك الثانية، وأيضاً تم رفضي ثم الثالثة فالرابعة، وتم رفضي أيضاً، فأحسست أن في الأمر سراً، ، ورحت أفتش عن الأسباب»!
استطرد أحمد: «أفضت بما بداخلي إلى أقرب أصدقائي عله يساعدني في الوصول إلى الحقيقة، فأطرق برأسه فأحسست بأن هناك شيئاً يخفيه عني، فسألته: هل تخفي عني شيئاً؟ فصمت ثم قال لي: سبب الرفض هو سجن أخيك، وتعلم يا صديقي أن الناس يتداولون الشائعات، فهناك من قال إنه مدمن مخدرات، وآخرون قالوا إنه تاجر، وآخرون قالوا إنه رئيس عصابة، فأوضحت لهم أن ذلك خلاف الحقيقة، وأنه ليس لك ذنب، وليس من العدالة أن يحكموا عليك من خلال أخيك إلا أن عقول الناس مذاهب».
ويضيف أحمد: «تألمت أكثر على شقيقاتي، ربما كان هذا السبب في بقائهن دون زواج حتى هذا اليوم.. وحاول صديقي تهدئتي وسبحان الله الذي أنزل السكينة على قلبي، وأحسست بأن الله لن يتخلى عني، وحمدته رغم ما ألمّ بي».
تنازلات تلو تنازلات
ويكمل أحمد سرد معاناته: «صارحت شقيقتي الكبرى بما حدث، وأدهشتني بمعرفتها بالأمر، واقترحت إحدى شقيقاتي أن أقوم بخطبة فتاة من خارج منطقتنا، أو من أسرة لديها وعي وثقافة، بحيث تكون صاحبة القرار الأول والأخير بالزواج دون ضغوط من أحد، وبالفعل تمت خطبة أكثر من فتاة من مناطق عدة وجميعهن أيضاً لم يقبلن بي»!!
ويضيف أحمد: «قررت التصرف في الموضوع بنفسي، وطلبت من صديقي المقرب أن يساعدني من خلال زوجته في اختيار العروس المناسبة، فقامت مشكورة بانتقاء فتيات عدة بمزايا مختلفة، فقدمتُ تنازلات، وقبلت بالسمراء، والفقيرة، والمريضة، والأكبر سنًا، والمطلقة... وعلى الرغم من اعتراض شقيقاتي على تقديمي التنازلات تلو التنازلات، إلا أن الخطيبات، اللاتي وصل عددهن إلى 13 فتاة، لم يقبلن بي».
مواجهة وغضب!
الغريب كما يروي أحمد أنه واجه شقيقه في محبسه حيث يقول: «كانت لديّ حاجة ماسة؛ لمواجهة أخي الكبير الذي كان السبب في تدمير مستقبلي، فتوجهت لزيارته بالسجن، فلاحظ أخي غضبي عند المقابلة، وسألني ما بك؟ وقلت له: انظر ماذا فعلت بتصرفاتك التي لم تحسب لها حساباً، فكيف بمستقبل شقيقاتك، ومن أين لهن الصبر؟ فإذا كنت رجلاً، ولم أتمالك نفسي من البكاء".
وحول ما إذا كان يريد الزواج بعد فشل تلك المساعي يقول: «أجلت الموضوع حالياً، فقد انتابني اكتئاب وضيق، وأصبحت عصبياً نوعاً ما ولا أخرج كثيراً من المنزل، وكلما فتحت شقيقاتي موضوع الخطبة أوافق مبدئياً ثم أغير رأيي وأرفض».
الثقة بالله طوق النجاة
التقينا الوالدة -أم أحمد- وسألناها حول موقفها حيال رفض الفتيات الزواج بابنها فأجابت قائلة: «إحداهن كانت تبكي لرفضها ابني، ولكون السبب أخاه الأكبر، المقبوض عليه منذ سبعة أعوام، أصبح كالنقطة السوداء في حياتنا». باً».
فيما تؤكد هدى أخت أحمد أن سبب رفضه هو سبب بقائها هي واخواتها بلا زواج حتى الآن؛ فكثير من الخطاب يأتون ثم لا يعودون.
آثار نفسية بليغة!
وحول الوضع النفسي للشاب الذي تأخر نصيبه بالزواج نتيجة عدم القبول به، أوضح الدكتور عبدالعزيز أبوالسعود، استشاري الطب النفسي بمجمع الأمل بالدمام قائلاً: «إن رفض الزواج بسبب سوء سمعة أحد أفرد العائلة يعد وصمة اجتماعية ونفسية بليغة الأثر للشاب الذي ليس له ذنب سوى قرابته، وتأثير الصدمة يختلف على حسب ثقافة الشاب، وثقته بنفسه، وإيمانه بقضاء الله وقدره، وقليلاً ما تجده يتمتع بحياة طبيعية؛ خوفًا من العزوبية ومقارنًا بغيره من أصدقائه المتزوجين، والبعض يحاول شغل أوقات فراغه، أو الهرب من خلال الأعمال الاجتماعية والتطوعية، أو الاتجاه نحو المجال الأدبي، أو الفني، أو اللجوء إلى الزهد والحياة الروحية، لافتًا إلى أن الأمر قد يتطور عكسياً كنوع من العقاب للمجتمع، وينتقم بتصرفات طائشة، ويتعامل بسلبية؛ كأن يميل إلى العنف، وربما يتورط في بعض الجرائم».
توفيق الله أهم سبب
ويقول الداعية محمد الماجد: «إن الأصل في تأخر نصيب الشاب في الزواج يعود إلى توفيق الله لحكمة يعلمها وحده؛ كونه من البلاء. قال تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ».
ويضيف الماجد: «وغالباً قد يكون كتب عليه من باب رفع درجته في الجنة جزاء صبره، ومن جانب آخر، ففي اعتقادي أن رفض الشاب لكون سمعة أحد أفراد الأسرة سيئة فإن هذا أحد أسباب عنوسة الفتيات اللاتي يبالغن في مواصفات العريس المنتظر، والتشديد في الصفات المثالية للزوج، فترد الزوج الصالح، ثم إذا فات القطار ندمت، ورضيت بالتنازلات. مشدداً على أهمية نشر ثقافة الزواج بشكل سوي، يتوافق مع القيم الدينية والأخلاقية والأعراف».