في اللحظات التي يُغشى فيها على بصيرتنا، ويصير هدفنا الوحيد هو "الإنتقــام" من عدو ما، أو من شخص نعتقد بأنه عدونا الأساسي، نفقد جميع أشكال تمييزنا الإنساني، ونصير مقودين بشكل كامل وراء شعورنا الوهمي بضرورة الإنتقام، وإلحاق الضرر بالطرف الآخر، وعلى جميع الأحوال، يُرد انتقامنا علينا بأبشع الطرق وأكبر المصائب.
وبحسب وسائل إعلام أردنية، بأن محكمة الجنايات الكبرى في العاصمة الأردنية عمان، أصدرت مؤخراً حكماً بـ"البراءة" بحق أربعة أشخاص، تم اتهامهم بقتل سيدة وأطفالها عبر القيام بإحراق منزلها في وقت سابق، وذلك بعد أن أثبتت التحريات والتحقيقات، بأن الأم المغدورة، هي من قامت بإضرام النار في منزلها، بهدف الإدعاء على هؤلاء المتهمين الأربعة، لكن الأمور خرجت عن سيطرتها بشكل كليّ، وتسببت بمقتلها حرقاً هي وأبنائها في المنزل.
وفي تفاصيل هذه الجريمة البشعة، ووفقاً لواقع القضية التي نقلتها وسائل الإعلام المختلفة في المملكة الأردنية، أنه كان هناك الكثير من المشاكل والخلافات والقضايا التي وصلت إلى حد "العـــداوة"، بين السيدة المغدورة وهؤلاء الأشخاص الأربعة الذين حاولت الإدعاء عليهم، وعلى اثر هذه الخلافات، اتفقت السيدة المغدورة مع عدد من الأشخاص الآخرين، بأن يقوموا بإضرام النيران في منزلها، للإدعاء على غرمائها بقصد الإنتقام منهم وإلحاق الضرر فيهم.
وبحسب ما أعلنته المحكمة بعد التحقيق في هذه القضية، أن السيدة المغدورة، قامت بسكب مادة "الكاز" على مقاعد "غرفة الضيوف"، وأشعلت النيران فيها، وطلبت من ابنها الأكبر البالغ 11 عاماً أن يغلق باب المنزل الخارجي بعد أن أعطته المفتاح، وأن يقوم بالإتصال بـ"الدفاع المدني"، وإبلاغهم أن هناك حريق اندلع في منزلهم، وظلت الأم المغدورة مع بقية أطفالها داخل المنزل.
لسبب أو لآخر، لم يتمكن ابن السيدة المغدورة بأن يتصرف ويتصل بـ"الدفاع المدني"، ولم يتمكن أيضاً من الإبلاغ عمّا جرى لأي أحد آخر حتى يتم إنقاذ أمه وأشقائه الصغار، وخرجت الأمور عن السيطرة تماماً، عندما لم تستطع السيدة الخروج من المنزل وإنقاذ نفسها وأطفالها، وذلك بسبب الباب المغلق ووجود المفتاح بحوزة الإبن، وخلال هذه اللحظات الصعبة، كانت النار قد انتشرت بشكل كبير في باقي المنزل والتهمت كل شيء حتى وصلت الغرفة التي تتواجد فيها السيدة برفقة الأطفال الصغار.
عندما وصلت الإمور إلى هذا الحد، قامت السيدة بالإتصال بزوجها، الذي أبلغ من بدوره الجهات المختصة والجيران القاطنين في الحيّ السكني نفسه عن الأمر، حيث عمل الجيران على كسر الباب وحاولوا إنقاذ الأم والأطفال، إلا أن الأوان قد فات، إذ لقيت الأم وطفليها البالغين من العمر "3 و 9" أعوام حتفها احتراقاً بالنار التي أضرمتها هي بنفسها، بينما أصيب ما تبقى من أطفالها بحروق متفاتة في خطورتها، وذلك بحسب ما نقلته وسائل الإعلام المحلية في البلاد.
وكانت النيابة العامة الأردنية، قد وجهت للمتهمين الأربعة في وقت سابق، تهم القتل العمد بالإشتراك، وجناية الشروع بالقتل، والتدخل بالقتل بالإشتراك، وإضرام الحريق، ووفق ما توصلت اليه محكمة الجنايات الكبرى في العاصمة عمان، بعد انتهاء التحقيق والتحري في هذه القضية، من خلال قرارها الصادر برئاسة القاضي محمد البلوش، وعضوية القاضيين طارق الشخانبة وعمار الكلوب، فإن السيدة المغدورة هي من قامت بنفسها بإضرام النار في المنزل، وذلك بقصد الإنتقام من المتهمين الأربعة، حتى نتج عن الحريق وفاتها هي وطفليها الصغيرين، وإصابة باقي أطفالها بحروق مختلفة ومتفاوتة، وبناءاً على هذه المعطيات التي وصلت بين يدي المحكمة، تم إعلان براءتهم من كافة التهم المسندة اليهم في وقت سابق.
بهذا القرار، انتهت قضية جريمة بشعة، كان دافعها الوحيد هو الإنتقام من أشخاص آخرين بسبب بعض الخلافات، بعيداً عن خل هذه الخلافات عبر سيادة القانون في البلاد، الذي يعد الطريق الوحيد للفصل بين الناس في هذه الحالات، وبالوقت نفسهم، قدمت مثالاً واضحاً وجلياً حول العواقب الكبيرة التي تجرها علينا هذه الممارسات المصحوبة بعمى البصيرة جراء فكرة الإنتقام من الغير.