تعد فترة المراهقة من الناحية الزمنية فترة امتداد؛ تبدأ من السنة الحادية عشرة أو السنة الثانية عشرة تقريباً، وحتى أوائل العشرينيات من حياة الفرد، وتتأثر بعوامل النمو البيولوجية والفسيولوجية والمؤثرات الاجتماعية والحضارية والثقافية، ولمشكلات الطفولة والمراهقة دور كبير في نشأة الانحرافات السلوكية، والاضطرابات النفسية والعقلية في مراحل النمو التالية، وبالتالي فإنّ توافق الفرد وصحته النفسية مرتبط بمدى توافقه وصحته في هذه المرحلة، حيث إنها يمكن أن تؤثر بصورة سلبية على بناء شخصيته السوية في المستقبل، وبالتالي فإن لذلك دوراً مؤثراً وفعالاً، سواء بالسلب أو الإيجاب، على التحصيل التعليمي والمستوى الدراسي.
«سيدتي نت» التقت الدكتور عثمان الحاج، استشاري الطب النفسي، الحاصل على زمالة الكلية الملكية البريطانية مجموعة سليمان الحبيب الطبية؛ للوقوف على أبرز الاضطرابات النفسية وعلاقتها بالمستوى التعليمي، وكيفية التعامل معها، من خلال الآتي:
* ما هي الاضطرابات النفسية الشائعة في مرحلة المراهقة؟
إن أي اضطراب نفسي يمكن أن يؤدي إلى تدني المستوى الدراسي، أما أنواع هذه الاضطرابات فهي:
- اضطرابات التعلم، وتشمل: اضطرابات التعلم العام، اضطرابات الهلع، الرهاب الاجتماعي، الخوف، والوسواس القهري.
- أما اضطرابات المزاج فتشمل: الاكتئاب، واضطراب ثنائي القطب.
- الاضطرابات الوهائية، وتشمل: اضطراب الوهم، وفصام في الشخصية.
- اضطرابات الأكل، وتشمل: فقدان الشهية العصبي، الشره المرضي العصبي، اضطراب الإفراط في الأكل.
- الاضطرابات التنموية، وتشمل: اضطرابات طيف التوحد، اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، اضطرابات التعلم.
- اضطرابات السلوك، وتشمل: اضطراب المسكن (الجناح)، اضطراب السلوك المعادي للمجتمع، اضطراب السلوك المتحدي المعارض وتعاطي المواد المخدرة، وتشمل: الحشيش، والمنشطات، والمهلوسات، والكحوليات، والأمفيتيمينات.
* ما الفئة الأكثر تعرضاً للاضطرابات النفسية؟ ولماذا؟
- تشير الدراسات إلى أنّ الاضطرابات الوجدانية والانفعالية العاطفية والسلوكية أكثر عند الفتيات، وترجع الأسباب إلى عوامل بيولوجية أو وراثية أو عوامل بيئية، وتعد العوامل الوراثية السبب الرئيس في نشوء بعض الاضطرابات؛ كانفصام الشخصية، والاضطراب الوجداني، واضطراب طيف التوحد، واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، في حين أنّ العوامل البيئية تكون أكثر تأثيراً في الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات الانفعالية والسلوكية كتعاطي المخدرات، وكذلك الاضطرابات العاطفية، وغالباً ما يكون هناك تداخل بين العوامل البيئية والبيولوجية، ومع ذلك تشير الأبحاث إلى أنّ غالبية الأطفال ذوي الاضطرابات الانفعالية عادة ما يصبحون راشدين طبيعيين، وأنّ عدداً قليلاً منهم هم الذين يصابون باضطرابات عصبية عند البلوغ.
وهنا يجب التنبيه إلى أهمية عوامل التنشئة، وهي:
نقص العلاقات الأسرية الداعمة نتيجة انفصال الأبوين، وتربية الأبناء في محيط عائلي متوتر ومناخ غير دافئ، وكثرة النزاعات وضعف التواصل، والنزاع بين الوالدين حول الأدوار والمسؤوليات والضغوط، ومعاناة بعض أفراد الأسرة من الاضطرابات النفسية، والإصابة بالاكتئاب وغيره من الاضطرابات الانفعالية. كما أنّ الأطفال والمراهقين الذين تعرضوا لسوء المعاملة يميلون إلى كراهية أنفسهم والإصابة بحالات الاكتئاب والقلق، واضطراب السلوك والإدمان في بعض الحالات.
* وما تأثيرها على المستوى التعليمي؟
- بالنسبة لهذه المشكلات فإنّ شيوعها في محيط المدرسة أو الجامعة يؤثر على مستوى الإنجاز والتحصيل، ويكون دون المتوسط، ويؤدي لاحقاً إلى ارتفاع نسب البطالة، كما أنّ فقدان الشعور بالأمن يؤدي إلى سوء التوافق النفسي والاجتماعي، كذلك فإن اضطراب علاقة الطالب بمعلمه وإهانته وتحقيره يجعله يشعر بعدم الثقة في نفسه، وعدم تقبل الغير، وبالتالي يشعر بالإحباط، والدونية، والعجز، ويثير فيه مشاعر العداوة تجاه الآخرين، وقد أوضحت الدراسات أنّ هؤلاء الأشخاص يمكن أن يلجأوا إلى حيل دفاعية غير سوية.
* ما هي الإرشادات للتعامل مع المراهقين والمراهقات من قبل المؤسسات التعليمية؟
- لا شك أنّ للمدرسة الدور الأول في تحديد السلوكيات، فهي المؤسسة التي يقضي فيها الطالب فترة طويلة من حياته، وتعتبر مكملاً لدور الأبوين في التربية والتزويد بالخبرات والثقافة والمهارات اللازمة التي تمكّنه من مواجهة المرحلة التالية في الحياة الجامعية، ومن ثم الحياة العملية، وتعد الجامعة الجهة المساندة والعنصر المكمل لدعم وترسيخ السلوكيات، وأحياناً تعديلها، وتشير الدراسات إلى أنّ سلوك الشخص ليس تابعاً لمزاجه فحسب، بل هو تابع كذلك للمعاملة التي تلقاها من المعلم والمدرسة، خاصة أنّ المعاملة المتسلطة تنتج جيلاً يميل إلى العدوانية والإهمال، كما أنّ اضطراب علاقة الطالب بالمعلم لا تقل أهمية عن اضطراب علاقته بأبويه.
* هل هناك حاجة لتدخل علاجي؟
- عادة ما يشعر الأهل بعدم الاطمئنان من استخدام الدواء لتغيير سلوك وانفعالات الأطفال والمراهقين، ولكن الطبيب المختص قادر على تقييم الحالة ومدى حاجتها لتدخل دوائي ونسبته، فعلى سبيل المثال تُعطى أحياناً جرعات عالية من المضادات للأطفال المصابين بعجز في التعلم العام لمحاولة الحدّ من سلوكهم، ولكن لابد من اتباع تعليمات الطبيب عند أخذ الجرعات لضمان العلاج.
* هل للتغذية أي علاقة بالصحة النفسية للمراهقين؟
- لقد وصف الأطباء الغذاء كعلاج منذ آلاف السنين للعديد من المشكلات، وتشير الدراسات إلى أنّ بعض الأغذية تؤدي إلى مشكلات نفسية كفرط النشاط، ومشكلات التعلم، والتي تكون مرتبطة بإضافات الطعام، وبالتالي فعلى هؤلاء المرضى اتباع نظام غذائي معين، والتركيز على منتجات الألبان والقمح والفواكه والخضراوات، في حين أنّ هناك المعالجات السلوكية؛ فالمتعارف عليه هو أنّ كل السلوكيات تتم عن طريق التعلم، وتعتمد كثير من الاضطرابات السلوكية والنفسية في الطفولة والمراهقة على فهم ومعرفة دينميات الأسرة، والعلاقة الخاصة بين الطفل وعائلته، وكذلك علاقته مع زملائه في المدرسة وأقربائه، ويعتمد نجاح العلاج أساساً على اختيار الطبيب النفسي والأخصائي التربوي والسلوكي المؤهلين للتعامل مع مثل هذه النوعية من الحالات.
التحصيل العلمي.. مرتبط بالحالة النفسية!
- ثقافة وفنون
- سيدتي - ياسمين نصر
- 13 مايو 2013