"جبـــران خليــل جبـــران"... كان ولا زال، علامة فارقة في الأدب العربي والعالمي على حد سواء، فتخاله كان يلف جملته الأدبية بالكثير من الحكمة والكثير من الجمال في الوقت نفسه، ولذلك كان من الأدباء القلائل الذين تمكنوا من الدخول إلى كل بيت في العالم، أعماله إن كانت بالعربية أو الإنجليزية، لا بدّ أن تزين جميع المكتبات في المنازل، وجمله التي لها وقع لامع في القلوب، لطالما تداولتها الرسائل إلى يومنا هذا، واليوم بتاريخ العاشر من شهر نيسان/ إبريل، يحي العالم الذكرى الـ 87 لوفاة هذه القامة الأدبية الكبيرة.
وُلد الشاعر والكاتب والرسام اللبناني جبران خليل جبران، في تاريخ 6 كانون الثاني/ يناير من العام 1883، في بلدة "بشري" شمال لبنان، ونشأ في عائلة فقيرة جداً، إلا أنه وخلال طفولته، هاجر مع عائلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك حصل جبران على الجنسية الأمريكية، ليصبح بعد فترة من الزمن، أحد أهم شعراء وأدباء المهجر في تاريخ الأدب العربي المعاصر.
أيامه الأولى في بلده لبنان..
المتتبع لطفولة جبران خليل جبران، يدرك تماماً كيف تخرج الحكمة والأدب الجميل من رحم المعاناة، فهو ابن عائلة مارونية، والدته "كاميليا"، كانت من عائلة مسيحية متدينة، أما والده فكان أحد أسباب معاناة العائلة، كونه كان متكاسلاً ومتخاذلاً، أخذته نزوات الدنيا وخطاياها عن عائلته، وترك زوجته وابناءه للفقر في ذلك الوقت، الأمر الذي منع جبران الطفل من الذهاب إلى المدرسة، وبدلاً من ذلك كان كاهن القرية الأب "جرمانوس"، يعلمه تعاليم الدين المسيحي واللغة العربية والسريانية من المنزل، وكان للطبيب والشاعر اللبناني سليم الضاهر، فضلٌ كبير على جبران بتعليمه القراءة والكتابة، وإطلاعه على الأدب والشعر.
الهجرة إلى الولايات المتحدة..
خلال العام 1891، سُجن والده بتهمة اختلاس الأموال، وصودرت جميع أملاكه، وعقب إطلاقه سراحه بعد أربعة أعوام تقريباً، قررت والدته "كاميليا" أن تهاجر إلى الولايات المتحدة برفقة أخيها، مصطحبة معه ابنها جبران، وأختيه "ماريانا وسلطانة"، وأخيه "بطرس"، وسكنت العائلة في مدينة "بوسطن" حينها، وكان ذلك في تاريخ 25 حزيران/ يونيو من العام 1895.
في المهجر..
عند وصول العائلة إلى بوسطن، عملت والدة جبران بالخياطة، وقام شقيقه بطرس بفتح متجر صغير، أما جبران فكان يرتاد المدرسة ويتعلم اللغة لإنجليزية، ولفت ميوله إلى الفن والشعر والأدب، معلمته بمادة الرسم حينها واسمها "فلورنس بيرس"، التي ألحقته بمدرسة قريبة للفنون، وقادته الأقدار إلى أن توصي به معلمة أخرى هي "دغيسي بيل"، إلى أحد المثقفين الأغنياء في البلاد، وهو "فريد هولاند داي"، الذي شجع جبران ودعمه، وحرص على أن يعيره الكتب بشكل دائم، وعمل على توجيهه من النواحي الفكرية والروحية والفنية، حتى وصل الأمر بـ"فريد هولاند داي"، بأن يستخدم رسومات جبران لأغلفة الكتب التي نشرتها دار "كويلا اند داي".
العودة إلى الجذور..
عاد جبران خليل جبران إلى وطنه لبنان في عمر الخامسة عشر، ودرس في مدرسة إعدادية مارونية ومعهد تعليم عالٍ يدعى "الحكمة" في العاصمة بيروت، وبعمر مبكر، أسس مجلة أدبية طلابية مع أحد زملائه في الدراسة، وعلى الرغم من أنه كان يقضي عطلته في مسقط رأسه ببلدته "بشرّي"، إلا أن علاقته مع والده لم تتحسن على الإطلاق.
بعد عدة أعوام، وقع جبران في حب الفتاة "سلمى كرامة"، التي بعد عشرة أعوام من قصته معها، استوحى فكرة ومضمون كتابه الشهير "الأجنحة المتكسرة"، وفي منتصف شهر نيسان/ إبريل من العام 1902، أتاه خبر وفاة أخته "سلطانة" بمرض السلّ، ما اضطره للعودة إلى بوسطن في 10 أيار/ مايو، وبعد مرور عام واحد فقط، لاقى شقيقه بطرس مصير أخته سلطانة نفسه، وبعد فترة وجيزة أيضاً، تمكن مرض السلّ من والدته "كاميليا"، وعاش جبران برفقة أخته الوحيدة المتبقية له "ماريانا".
الرابطة القلمية لجبران
ساهم جبران خليل جبران بتأسيس الرابطة القلمية التي تأسست رسمياً خلال العام 1920 في مدينة نيويورك، مع نخبة من أدباء المهجر من بينهم "ميخائيل نعيمة، عبد المسيح حداد ونسيب عريضة"، وكان هدف هذه الرابطة تجديد الدماء في الأدب العربي، "وإخراجه من المستنقع الآسن" كما يذكر الأديب إسكندر نجار في كتابه الذي ألّفه عن جبران.
أدبه ومواقفه
تميز أسلوب جبران خليل جبران الأدبي، بشكلين رئيسيين، الأول: هو الثائر الغاضب على العادات والتقاليد، والآخر: الهادئ الذي يتسم بالرومانسية والمثالية الأخلاقية، والذي يتغنى بالجمال، ومن أشهر أعماله التي جمعت الأسلوبين معاً، قصيدة "المواكب" التي غنتها السيدة "فيــروز"، والمعروفة عند الجميع باسم "أعطني الناي وغني".
أيامه الأخيرة ..
لم يكتفِ مرض السلّ من عائلة جبران خليل جبران، فأصابه هو نفسه، وترك هذا الشاعر والأديب والرسام المتفرد، طريح المرض لمدة من الزمن، حتى وافته المنية في تاريخ 10 نيسان/ إبريل من العام 1931، عن عمر ناهز الـ48 عاماً فقط، في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، ولأن وصية جبران الأخيرة كانت أن يدفن في مسقط رأسه في وطنه لبنان، تم ذلك فعلاً في العام التالي، حيث نُقل جثمانه ودفن في صومعته القديمة في لبنان، فيما عُرف لاحقًا باسم "متحف جبران".
أعماله الأدبية والشعرية..
وبالفترة ما بين الأعوام 1908 – 1931، نشر جبران خليل جبران العديد من الأعمال الأدبية والشعرية باللغتين العربية والإنجليزية، ومن أهم أعماله الأدبية المنشورة بالعربية: "الأرواح المتمردة، دمعة وابتسامة، الأجنحة المتكسرة، العواصف، البدائع والطرائف (وهي مجموعة من المقالات والروايات التي تتحدث عن مواضيع عديدة لمخاطبة الطبيعة)"، كما أن لجبران أيضاً، "عرائس المروج، نبذة في فن الموسيقى، المواكب، نصوص خارج المجموعة، الأعمال المعربة، مناجاة أرواح".
أما باللغة الإنجليزية، فقد كتب جبران: "النبي" وهي عبارة عن مجموعة من القصائد الشعرية، بالإضافة إلى كتب: "المجنون، رمل وزبد، يسوع ابن الإنسان، حديقة النبي، أرباب الأرض"، كما أنه نشر كتاب "الشعلة الزرقاء" وهو يضمّ رسائله إلى الأديبة والكاتبة الفلسطينية ميّ زيادة، وألف جبران أيضاً كتب: "التائه والسابق".