احتلت مشاهد تناول الفوشار في افتتاح أول صالة سينما في السعودية حيزاً من الاهتمام ولا سيما عندما تناول وزير الإعلام الدكتور عواد بن صالح العواد الفوشار متبعاً التقليد السينمائي الشائع لدى مشاهدة الأفلام. وتناقلت وسائل الإعلام صور الحضور والشخصيات وهم يحملون علب الفوشار استعداداً لحضور الفيلم الأول، ولكن هل يعلم أحدكم ما هي علاقة الفوشار بالسينما؟
ذكر موقع "mentalfloss" أن بداية الأمر كانت في القرن الثامن عشر وكان للفوشار شعبية كبيرة في هذا الوقت، وكان يُقدم عن طريق الباعة الجائلين في أكياس ورقية كوجبة خفيفة في المعارض والمهرجانات، ومنذ ذلك الوقت ارتبط بالترفيه حتى أصبح أحد المقرمشات الأساسية في دور السينما.
كما يُعتبر الذهاب إلى السينما نشاط ترفيهي لذلك ينفق الناس الأموال هناك بدون تفكير، فيستغل الباعة ذلك لأن حبوب الذرة رخيصة الثمن ولا تكلفهم كثيراً، في حين يمكن بيعها بضعف تكلفتها في دور السينما.
لم تكن دور السينما في الولايات المتحدة الأمريكية منذ افتتاحها تسمح للمشاهدين بإدخال الفوشار إلى قاعات العرض، على الرغم من أنه كان لعقود طويلة منتج التسلية المفضل عند الناس أثناء الاحتفالات والمهرجانات، إلا أن السينما رفضت السماح لهذه المتعة بدخول قاعاتها لعدة أسباب.
أولاً، كانت دور السينما في أواخر القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين تستهدف شريحة معينة من المجتمع، وهم أبناء الطبقة المثقفة والأرستقراطية؛ وذلك لخلق حيز أشبه بالمسرح من حيث الفخامة والقيمة الاجتماعية والثقافية المعطاة له، لاستقطاب جماهير الطبقة الراقية، إلى جانب ذلك؛ بدأت السينما صامتة وكانت النصوص التي تظهر عليها تتطلب أن يكون الجمهور قارئاً، وعليه؛ لم يكن من المناسب أن يسمح بأكل المسليات أثناء الفيلم لما قد يسبب ذلك من إزعاج وسط الهدوء والتركيز.
في ذلك الوقت، اجتمعت عدة عوامل لتجعل من "البوب كورن" المنتج المرتبط ارتباطاً وثيقاً بتجربة المشاهدة السينمائية، وأصبح من غير الممكن تحقيق المتعة كاملة من دونه، فبحسب كتاب أندرو سميث "التاريخ الاجتماعي للفشار"، فإن الفشار وحب الناس له فرض نفسه على دور السينما وغيّر من قوانينها الصارمة.
عام 1927، بدأت إضافة المؤثرات الصوتية للأفلام وانتشرت بدور العرض بشكل كبير، وهو ما جعل فكرة الفوشار تصبح أكثر قرباً من أن تتحقق، لكن العامل الاقتصادي والأرباح والأمر الواقع الذي فرضه الباعة المتجولون هو الذي حتّم على دور العرض تقبل الأمر.
فبعد عام 1930 ومع بداية الانهيار الاقتصادي العالمي الكبير واجهت دور السينما خطورة الإفلاس بسبب الشريحة القليلة التي تستهدفها، فقررت بعد إضافة عنصر الصوت إلى الأفلام أن توسع جمهورها وتستقطب أبناء الطبقات الاجتماعية المختلفة، وهؤلاء بالطبع لم يتخيلوا ممارسة فعالية ممتعة من دون فوشار، فانتشر الباعة المتجولون على أبواب دور السينما، مما دفع دور السينما لفرض تفتيش المعاطف عند الدخول للتأكد من خلوها من أكياس الفوشار، إلا أن هذا الإجراء لم يستمر طويلاً على ضوء الوضع الاقتصادي السيئ.
وبحسب سميث فإن الفشار أنقذ العشرات من دور السينما من الإفلاس، فقد أصبحت تحقق أرباحاً هائلة من بيعه للزبائن، بل وأصبح محفزاً لهم للحضور والمشاهدة، وقد ساعده على الانتشار سعره المنخفض ووزنه الخفيف وسهوله مضغه دون التسبب بإزعاج.