ربما يكون ما يأتي تفكيراً بعيد المدى، يتجاوز حياة الأفراد إلى ما بعد وفاتهم، وهو أن نُدفن بنعوش تعتبر صديقة للبيئة، هذا ما فكرت فيه شركة التصميم الهولندية "نعش في صندوق Coffin in a Box"، التي كانت قد فازت مؤخراً بجائزة "البصمة النهائية" الهولندية الأولى، جراء قيامها بتصميم نعشٍ "لا يسبب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون" على حد وصف أحد مالكيها، وهو نعش مِن قِطعٍ منفصلة تركِّبه وتزيِّنه بنفسك، والتي كانت قد شاركت عبره في معرض لدور الجنازات، تم تنظيمه مؤخراً في كنيسةٍ بمدينة أمستردام الهولندية.
وكان أحد مالكي هذه الشركة الهولندية وهو "كور جيتنبيك"، قد أشار لصحيفة "ذا غارديان The Guardian"، أنه: "يجب على الوعي البيئي أن يمتدّ لكل شيء نفعله، نحن نُفَصّل البلاستيك الذي نستخدمه، ونفكِّر في السيارة التي نقودها، وعلينا كذلك أن نفكِّر في اختيارنا لرحلتنا الأخيرة"، ويعتقد "جيتنبيك" أنَّ الدفن أفضل للبيئة من حرق الجثث، لكن في المملكة المتحدة، ومع أن معظم الأشخاص يختارون إحراق رفاتهم، فإنَّ مساحات المقابر تقارب على النفاذ، إذ يتوقَّع نصف السلطات المحلية تقريباً أن تمتلئ مقابرها بحلول عام 2033.
وتعتزم شركة بريطانية اللجوء إلى إذابة جثث الموتى بدلاً من دفنها أو إحراقها كوسيلة لموتٍ صديق للبيئة، لماذا يجب أن نفكر في إعادة استخدام المقابر؟ كان الحل الهولندي هو أن يُسمَح للقبور بأن يُعاد استخدامها، مع دفن العظام القديمة على عُمقٍ أبعد عندما يصل نعشٌ جديد ليُدفَن، لكن هذا بدوره يمثِّل مشكلة، إذ أن الكثير من النعوش المُستخدمة في عصرنا هذا ليست قابلة للتحلل.
ويضيف "جيتنبيك" خلال حديثه لـ ذا غارديان: "أنه في الماضي، كان الناس يستخدمون نعوشاً مصنوعة من الخشب فقط، وأحياناً ما كانت تحتوي هذه النعوش على القماش، لكن الآن في الوقت الحاضر، يتم استخدام منتجات خشبية مُعالَجة كيميائياً، وتشمل مواداُ لاصقة اصطناعية في النعش، وغالباً ما يتم استخدام الطلاء والورنيش لإضفاء لمعانٍ فائق"، ويتابع "جيتنبيك" أنه "عندما يُخلى القبر وتُدفَن العظام على عمقٍ أكبر لتُفسِح مكاناً للوافد الجديد، فإنَّ تِلك النعوش الاصطناعية تكون بحالتها الأولى فيما تكون الجثث تحلّلت"، ويتسائل "جيتنبيك"، هل حرق الجثث يعد سلوكاً صديقاً للبيئة؟".
ونقلت الصحيفة البريطانية، أنه وفقاً لـ"مجتمع إحراق الجثث ببريطانيا العظمى"، فهناك في المملكة المتحدة وحدها 281 محرقة للجثث، وأكثر من 270 موقع دفنٍ طبيعي، فإنَّ انتشار المشاريع الصغيرة التي تقدِّم بدائل للدفن، بدءاً من النعوش المصنوعة من أوراق الموز وحتى أن يُنثَر رمادك في الفضاء، والتوصيات الشفاهية المتناقلة عبر الشبكات الاجتماعية، تُغيِّر كلياً من طريقة إقامة الأشخاص للجنازات، وتتابع الصحيفة، أن البعض يرى أن حرق الجثث ليس أفضل للبيئة بالضرورة، لأنَّه يستهلك الكثير من الطاقة ويرفع من معدل بصمة الـ"كربون"، وإنَّ دفناً بسيطاً بمنتجاتٍ قابلة للتحلُّل هوَ الأفضل للبيئة.
أما فيما يخص المواد التي دخلت حديثاً لصناعة النعوش، فيوضح "جيتنبيك"، أن هناك نموذج النعش المصنوع من خشب الحور، والذي يباع عن طريق البريد بتكلفة تصل إلى 289 يورو، أي ما قيمته 355 دولاراً أمريكياً، وهناك أنواع أخرى من النعش نفسه تباع بـ 299 جنيهاً إسترلينياً/ 420 دولاراً، إلى عدة دول أوروبية مثل بلجيكا، وهولندا، والمملكة المتحدة، وسويسرا، حيث تُقدَّر بصمة الكربون الخاصة بكل نعش بما يقارب 4 كيلوغرامات، مقارنةً بـ25-30 كيلوغرام للنعش التقليدي المعروف بين الناس.
وتتابع صحيفة الـ"غارديان" خلال تقريرها، أن في المعرض نفسه، كانت شركة "فاير كوفنز FAIR coffins" قد قدمت أكفاناً أخرى تعد أيضاً صديقة للبيئة، ونعوشاً مصنوعة من مواد مُعاد تدويرها "جزئياً" وقابلة للتحلل، تم صنعها بأيدي عاملين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتؤكد الصحيفة بأنه يمكن للأشخاص إيجاد نعوشٍ مصنوعة من صوف "هاينزوورث"، وخشب الصفصاف، والورق المقوَّى في أماكن مختلفة من العالم.
وتطرح الصحيفة البريطانية تساؤلاً غريباً من نوعه، وهو "ماذا تفعل وكالة ناسا الأمريكية، إذا توفي أحد روادها في الفضاء؟"، وتؤكد الصحيفة أنه في الفضاء الخارجي هناك أفكار شبيهة للتعامل مع الجثث، ولأن "ناسا" لا تملك خطة محددة للتعامل مع وفاة أحد روادها حسب موقع "popsci" للعلوم، فقد قامت باستشارة شركة سويدية للقيام ببحث تقنيتها في تجميد الجثمان وتفتيته لقطع صغيرة تشبه الرماد، ويمكن نثرها في الفضاء بسهولة.
من الجدير بالذكر، أن المنظمة الصحة العالمية، كانت قد نشرت خلال إحصائية سابقة، أنه في العالم يموت أكثر من 100 شخص بكل دقيقة تمضي، حيث بلغ عدد الوفيات 56 مليون شخص خلال العام 2015، وتتوقَّع المنظمة أن يكون هناك زيادةً في العدد ليبلغ 70 مليوناً خلال العام 2030.