منذ طفولتنا الأولى، وأيضاً طفولة والدينا وربما أجدادنا، هناك وجبات رمضانية عاشت وستعيش طويلاً، تعتبر جزءاً لا يتجزء من الطقوس الرمضانية الجميلة والأساسية للشهر الفضيل، ومن هذه الوجبات اللذيذة ما أصبحت موروثاً ذا رمزية تاريخية، وجزء لا يتجزأ من الشهر الفضيل، وليست مجرد أكلات طيبة توضع على موائدنا الرمضانية.
وفي هذا التحقيق سوف نعرض لكم عدداً من هذه الأكلات الشهيرة، والأزمان والأماكن التي تعود لها أصولها، وبالتأكيد سوف تشعرون بالدهشة من بعضها:
"السمبوسة" والخليج العربي:
حبة السبوسة الصغيرة التي نتناولها على الإفطار، وتصنع لنا لذة سريعة ومدهشة معاً، والتي تشتهر كثيراً في مختلف دول الخليج العربي، تخيلوا أن الروايات التاريخية لأصولها لا تعد ولا تحصى، وكونوا واثقين بأنكم بعد القراءة عنها في هذا التحقيق قد تغيرون نظرتكم اتجاه أي حبة سمبوسة على مائدة الإفطار.
من الروايات التاريخية حول هذه الأكلة الشهية، أنها تعود إلى العثمانيين في نشأتها وابتكارها، ولا تعود بأصولها إلى دول الخليج أو الدول العربية عموماً، فيما يرى مؤرخون آخرون رأياً مختلفاً، حيث يؤكدون بأن السمبوسة تعود في بداية ظهورها إلى دولة اليمن، وعلى وجه التحديد إلى جبال "حضر موت" التي تقع شرقي البلاد، إلا أن الرواية الأكثر قوة هي تلك التي تعيد أصول ونشأت السمبوسة إلى الهند، مستدلين بذلك من خلال اشتهار الهنود بالمأكولات التي يتم غمرها بالزيت لقليها، قبل أن تنتقل إلى اليمن، ثم إلى الخليج العربي عن طريق التُجّار والحجاج الذاهبين لزيارة الحرمين الشريفين.
الـ"ساقو" في الإمارات:
لا يمكن لأي شخص يعيش في دول الخليج العربي، وتحديداً من دولة الإمارات العربية، ويحب مأكولاتها التقليدية، أن لا يعرف الـ"ساقو" الإماراتي، والذي يصنف كنوع من التحلية التقليدية الرمضانية الشهيرة، وهو مصنوع من الدقيق المُستخرج من جذور نبات الـ"منيهوت"، الذي يُستعمل في الأساس كمادة نشوية لتكثيف السوائل، ويتم تحضيره بوضع الدقيق في وعاء ليُضاف إليه السكر والحليب والزعفران والجوز المجروش، إلى جانب الهيل وماء الورد، ويعتبر مكونا الهيل والزعفران من أهم أسرار لذة هذا الطبق.
"الخُشاف" في مصر القديمة:
طبق "الخُشاف" الشهير في مصر بالوقت الحالي، هذا الطبق الحلو المكون من خليط من المكسرات المختلفة والفواكه المجففة، يرجع المؤرخون تاريخه إلى الفراعنة قبل آلاف السنوات، حيث كان المصريين القدماء يجففون الفواكه، ليتمكن الأموات من تناولها بعد موتهم في حياتهم الثانية، ويُذكر أنه في عهد الملك المصري الفرعوني "رمسيس الثالث"، عُثر على الآلاف من جرار الزبيب المجفف في معبد الإله "حابي" إله النيل، بعد هذه الفترة بالكثير من القرون والأعوام، وتحديداً في عصر الدولة الفاطمية في مصر، ظهر طبق الخُشاف الذي منذ ذلك الوقت إلى وقتنا الحاضر ارتبط في شهر رمضان المبارك.
شوربة الحريرة في المغرب العربي:
في المغرب العربي، وتحديداً بدولتي المغرب والجزائر، هناك طبق من الشوربة لا يمكن أن يغيب عند ساعات المغرب الأخيرة عن موائد الصائمين في هذين البلدين، أنه طبق "شوربة الحريرة"، والتي تعود أصول نشأتها إلى الأمويين الذين كانوا يعيشون خلال العصر العباسي في الأندلس، إذ انتقلت جذورها لتمتد إلى المغرب العربي، وهي مكونة من اللحم والعدس والدقيق، كما أنه يتم تناولها بالعادة بجانب طبق من "المعقودة"، والذي هو عبارة عن كرات محشية بالجبن ومقلية في الزيت.
الـ"بوريك" التونسي:
إن كانت شورية الحريرة حاضرة على موائد الصائمين بكل من المغرب والجزائر، فإن معجنات الـ"بوريك" حاضرة هي الأخرى على موائد التونسيين الرمضانية دائماً، وهي عبارة عن رقاقات من العجينة محشية باللحم أو المكسرات، وأحياناً يتم حشوها بالجُبن وتقديمها كحلويات، وهذا الطبق اللذيذ يعود في تاريخه إلى الدولة العثمانية، حيث كان من ضمن الأطباق التي نشرها الأتراك في الدول العربية، أما بالنسبة إلى اسمها "بوريك" فهو من الكلمة التركية "بورماك" والتي تعني باللغة العربية "الملفوف"، وقد حافظ هذا الطبق على شكله على مر السنين واختلاف المناطق والثقافات التي ينتشر فيها الآن.
"قمر الدين" مشمش سوريا:
في بلاد الشام جميعها، من سوريا والأردن وفلسطين ولبنان، ينتشر واحد من أشهر المشروبات والحلويات الشعبية التي ارتبطت اسمها في رمضان الفضيل منذ نشأتها، وهو مشروب "قمر الدين" الشهي، والذي يُصنع من عصير المشمش المجففى والمحلى، ويُرجح الكثير من المؤرخين بأن "قمر الدين" تعود أصول نشأته الأولى إلى الدولة العثمانية، ومن هناك انتشر مع بقية المطبخ التركي إلى الوطن العربي، وعلى وجه الخصوص في سوريا، ويعتبر الكثير من الخبراء بأن السر في مشروب "قمر الدين" هو جودة ثمار المشمش نفسها، وهذا الأمر الذي تتمير به الأراضي الزراعية السورية، لذلك اشتهرت سوريا بهذا المشروب الرمضاني التقليدي.