منذ اكتشافها للمرة الأولى في منتصف القرن التاسع عشر، وحتى هذه اللحظات التي تُكتب فيها كلمات هذا التحقيق، وإلى ما بعد ذلك لأزمان بعيدة، ظلت قِبلةً لكل المغامرين الذين يعشقون التحدي والـ"أدرينالين" العالي، ومجرد الوصول إليها يعتبر إنجازاً يخلد أسماء أصحابه، فأن تكون واقفاً على أعلى قمة في العالم كله، هذا بحد ذاته إحساس "شاهــق" بالسعادة، نعم عزيزي القارئ، نحن نتحدث عن قمة إفرست.
قمة إفرست.. التي يبلغ ارتفاعها قرابة الـ 9 كيلومتراً عن سطح البحر، ليست مجرد قمة جبل عادية، أو تضريس جغرافي ساحر على سطح كوكب الأرض، فهي منذ لحظات اكتشافها الأولى على يد البريطاني السير "جورج إفرست" - حيث سُميت باسمه - الذي كان يعمل مخططاً عاماً في الهند، خلال العام 1856، قبيل بدء الإستعمار البريطاني للقارة الهندية بعامين فقط، وحتى الآن، كانت حالة جاذبة لجميع المغامرين والرحّالة، إذ سلبت فكرة الوقوف فوق أعلى قمة على وجه الأرض، عقول الكثيرين منهم.
عند اكتشاف السير "جورج إفرست" لهذه القمة التي تعد أحد الجبال التي تتكوّن منها سلاسل جبال الـ"هملايا" الشهيرة، التي تقع على الحدود بين الصين ونيبال وشمالي الهند، كان يعتقد بأنها الأعلى في العالم، حيث قدر ارتفاعها في ذلك الوقت، بقرابة الـ 29 ألفاً وقدمين اثنين، ولكن فيما بعد، وجراء تطور أدوات القياس التكنولوجية المُستخدمة في هذا المجال، تم تحديد الإرتفاع الدقيق للقمة، والذي وصل إلى 29 ألفاً و28 قدماً، أي بفارق 26 قدماً فقط عمّا اعتقده السير البريطاني.
الطريق إلى القمة..
لم يكن الطريق إلى تسلق قمة إفرست منذ اكتشافها سهلاً على الإطلاق، وكان بعض المغامرين ومتسلقي الجبال، قد ضحوا بحياتهم ولقوا مصرعهم جراء مستويات الأوكسجين المنخفضة للغاية، ودرجات الحرارة شديدة البرودة، والطقس الخطير والغير متوقع في طريق الصعود إلى القمة، حتى يتمكن الذين سيأتون بعدهم من تحقيق هذا الحلم، وكان كل من "جورج مالوري" و"أندرو إيرفين" من أول الضحيات التي ارتقت أرواحهم خلال محاولتهم الوصول إلى القمة في العام 1924.
أول الواصلين إلى القمة ..
بارقة أمل لتحقيق هذا الحلم، بدأت تظهر في العام 1950، بعد أن قررت دولة نيبال أن تسمح بترخيص تسلق القمة من جهتها، ما فتح المجال أمام المغامرين، أن يتسلقوها من جهة التلال الجنوبية الشرقية، التي تعتبر الجهة الأقل خطورة ووعورة من الجهات الباقية، وتحقق الحلم بعد ثلاث أعوام فقط من الخطوة التي سمحت بها نيبال، حيث تمكن كل من المستكشف النيوزلندي "إدموند هيلاري" ومتسلق الجبال النيبالي "تينسينغ نورغاي"، من تخليد أسمائهم في التاريخ، كأول الأشخاص الذين استطاعوا الوصول إلى قمة إفرست، وقهر هذا التحدي الذي ظل صامداً لأعوام طويلة.
بعد الإنجاز الذي حققه "هيلاري" و"نورغاي" كأوّل من تسلق القمة، بدأت الإنجازات تتوالى، والتي أخذت شكلاً أكثر صعوبة، حيث نجح "نورمان ديهرنفورس" بعثة أمريكية لتسلق جبل الإفرست، وفي الأول من أيّار تمكّن توماس هورنباين، ووليم إنسولد من تسلق الجهة الغربية الصعبة لجبل الإفرست، وفي ذلك الوقت كان هما أول شخصان يتمكّنان من تحقيق هذا العمل، كما قام دوجال هاستون، ودوج سكوت بتسلق الجبل، بالغين قمته من الجانب الجنوبي الغربي، وكان ذلك ضمن بعثة تسلق بريطانية، أمّا الجانب الشمالي من الإفرست فقد تمكّن تاكاشي أوزاكي وتسونيو شيجيهيرو من تسلقه.
اليابانية "تابيه جونكو".. أول امرأة تعتلي قمة إفرست
على الرغم من جميع الأصوات التي انتقدتها وسخرت منها، وعلى الرغم من كل ما سمعته من كلام جارح مثل "تريد تسلق الجبال لتبحث عن عريس"، أو "انت امرأة مكانك البيت والمطبخ"، ضربت متسلقة الجبال والمغامرة اليابانية "تابيه جونكو"، بكل هذه الإنتقادات ومحاولات الإفشال عرض الحائط، وتمكنت من تحقيق إنجاز تاريخي بأن تكون "أول امرأة في العالم تتسلق قمة إفرست"، وكان ذلك في 16 أيار / مايو من العالم 1975، حيث سلكت المتسلقة اليابانية نفس الطريق لتسلق الجبل الذي كان قد سلكه قبلها "هيلاري" و"نورغاي" في عام 1953.
رها محرق.. السعودية التي قهرت إفرست
خلال العام 2013، تمكنت الشابة السعودية "رها محرق"، من أن تدخل بدورها التاريخ من بابيه، العالمي والسعودي، حيث استطاعت وهي بعمر الـ 28 عاماً، أن تكون أول امرأة من المملكة العربية السعودية، تنجح في تسلق قمة إفرست الأعلى في العالم، وأيضاً في أن تكون أصغر شابة عربية تحقق هذا الإنجاز، ورفع علم بلادها على القمة الأعلى.
وجاء إنجاز المتسلقة السعودية المحرّق، خلال مشاركتها برفقة فريق من المتسلقين العرب، مكون من أربعة أشخاص، بهدف جمع مليون دولار أمريكي لدعم التعليم في دولة نيبال، والتي كانت قد صرحت حينها بوسائل الإعلام العالمية قائلةً: "أنا لا أهتم كوني الأولى، طالما أن ذلك سيلهم شخصاً آخر أن يأتي ثانياً".
ما لا يعرفه الكثيرون عن قمة إفرست ..
منذ اكتشاف قمة إفرست وحتى اليوم، نجح أكثر من 5 آلاف شخص في الوصول إلى إعلى قمة إفرست، وكان من بينهم رجل ضرير وطفل بلغ من العمر 13 عاماً، وامرأة عجوز عمرها 73 عاماً، والتي ظلت أكبر الأشخاص الذين تمكنوا من تسلق الجبل عمراً، حتى جاء رجل ياباني في العام 2013، وكان يبلغ من العمر حينها 80 عاماً لخطف منها هذا اللقب، ويصبح أكبر رجل يحقق هذا الإنجاز التاريخي.
طوال طريق الصعود إلى أعلى قمة إفرست، هناك ما يزيد عن الـ 200 جثة حقيقية لأشخاص لاقوا حتفهم خلال محاولتهم الوصول إلى الأعلى، والغريب في الأمر، بأن هذه الجثث الآن، يتم استخدامها كمعالم تدل المتسلقين إلى طريق الوصول للقمة، ومن المعروف أنه من بين كل 100 شخص تمكن من الوصول إلى قمة "إفرست"، هناك 4 أشخاص على الأقل ماتوا في طريقهم إليها.
ومن المعروف، بأن جبل إفرست، ينمو بمقدار 4 مليمترات في كل عام، إلا أنه خلال العام 2015، قل ارتفاعه بمقدار 2.5 سنتمتراَ بسبب الزلزال الذي ضرب نيبال حينها.
وخلال العام 2015، تمكن رجل وامرأة من نيبال نفسها الوصول إلى أعلى قمة إفرست، وقاما بعقد زواجهما فوق القمة، ليصبح بذلك أول زواج يتم فوق القمة الأعلى في العالم.