سقاية الحجاج كانت مهمة شاقة، تولاها أهل مكة منذ 14 قرنًا، وأول من قام بها هو قُصي بن كلاب، ومن ثم تولى المنصب عبدالمطلب بن هاشم؛ حتى صارت في يومنا هذا تقليدًا مهنيًا لا غنى عنه في موسم الحج؛ ليقوم به أهل السقاية أو الزمازمة، وهم شباب مكيون يتولون مهمة توزيع ماء زمزم على الحجاج الذين يعبرون حدود الحرم المكي.
مكتب الزمازمة الموحد
وإذا عدنا لتاريخ الزمازمة، أفادت مديرة العلاقات العامة ومسئولة القسم بمكتب الزمازمة الموحد، بشاير غراب؛ فتقول، نجد أن تاريخ مهنة السقاية والرفادة، بدأ منذ عهد عبدالمطلب بن هاشم، جد النبي، عليه الصلاة والسلام، وورثت هذه المهنة لخدمة حجاج البيت الحرام جيلاً بعد جيل، إلى أن انفصلت السـقاية عن الرفادة، وتم إسناد سقاية الحجاج عام 1892 ميلادية بأمر ملكي، بأن تكون سقاية الحجاج داخل الحرم المكي، من مهام رئاسة الحرمين الشريفين، وتم تجميع كافة العائلات التي تعمل في مهنة السقاية تحت مظلة واحدة، وهي "مكتب الزمازمة الموحد" وأوكلت إلى المكتب مهمة سقاية الحجيج وإيصال ماء زمزم إلى مساكنهم يوميًا؛ حتى مغادرتهم مكة المكرمة، بما فيها شرف استقبالهم على مداخل مكة المكرمة وتوديعهم عند خروجهم من البلد الحرام، بعد أدائهم لمناسك الحج بعبوة مبردة من ماء زمزم المبارك؛ فأصبحت السقاية لطائفة الزمازمة، والرفادة لطائفة المطوفين.
عمل الزمازمة قديمًا:
كان عمل الزمازمة داخل الحرم المكي الشريف؛ حيث يقوم الزمازمة بجلب ماء زمزم من البئر، ويتم تخزينه في الأزيار (وهي عبارة عن أوعية فخارية كبيرة تشبه الخزان)، وكذلك في البراميل المصنوعة من الزنك؛ حيث كان مخصصًا لكل عائلة خلوة من الخلاوي، (وهي غرف مخصصة للزمازمة في أقبية الحرم المكي الشريف)، وكان للزمازمة شيخ ينتخب من ضمن أفراد الطائفة، عن طريق وزارة الحج والأوقاف آنذاك، وهو يقوم بتنظيم عملهم والإشراف عليهم، ويقوم الزمزمي بتقديم ماء زمزم بعد تبخير الدوارق الفخارية بـ(المستكة)؛ ليكتسب الزمزم رائحة جميلة، ومن ثم يملأ هذه الدوارق من الأزيار ويقدمه للحجاج في الطيس (أوعية نحاسية تستعمل للشرب )، بمرورهم بين زوار الحرم وحول الحرم أيضًا، وكان ذلك يمثل طابعًا تراثيًا مميزًا اشتهر به الزمازمة.
وكان لكل زمزمي منطقة معينة يجلس بها داخل الحرم، ويقوم الزمزمي بتوزيع الدوارق على الحنابل الموجودة بالحصاوي المخصصة له، والتي كانت موجودة داخل الحرم، هذه الدوارق عليها نيشـان (علامة مميزة) يعرفها الزمازمة أنفسهم، تتم كتابتها على كل دورق بواسطة (شمع العسل) مع (الرماد)؛ فيشكل لونًا أسود يصعب مسحه من على الدورق، وذلك لمعرفة كل زمزمي لدوارقه وعدم ضياعها.
خدمات الزمامة في الوقت الحالي
في عام 1403هـ، صدر الأمر السامي الكريم بإنشاء مكتب الزمازمة الموحد؛ حتى تتوحد الجهود وتتضافر في خدمة الحجيج، ويصبح العمل جماعيًا، هدفه الأساسي تقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن، والوصول بالخدمات التي تقدم من قبل طائفة الزمازمة إلى أعلى مستوى ممكن، بما يتماشى ويتواكب مع التطورات الهائلة التي تشهدها السعودية في ظل توجيهات قائد نهضتنا خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، سيما وأن المكتب يقوم بتقديم خدماته لجميع جنسيات الحجاج القادمين للمملكة بدون استثناء، وذلك بتقديم ماء زمزم لهم في كل موقع يتواجدون به منذ وصولهم إلى الأراضي المقدسة وحتى مغادرتهم.
كذلك عمل اللقاءات التعريفية للعديد من الجهات ذات الصلة، والمعنية بخدمة ضيوف الرحمن، والمتمثلة في مؤسسات أرباب الطوائف والوفود المرافقة لهم من جميع أنحاء العالم؛ بحيث يتم تقديم الشرح التفصيلي لطريقة السقيا في الماضي، ومراحل تطورها حتى وصلت إلى ما هي عليه بعصرنا الحالي، وزيارة المتحف الخاص بالمكتب، والاطلاع عن كثب على خطوط التعبئة الآلية الحديثة الخاصة بتعبئة عبوات ماء زمزم، ذات السعات المختلفة، وتقديم الهدايا التذكارية التي تعنى بالمهنة، والمتمثلة في (الدورق) و(الطاسة)، بالإضافة لتقديم النشرات الإعلامية الخاصة بالمكتب.
ومؤخرًا أسند مكتب الزمازمة الموحد، شرف المهنة لنساء الزمازمة (الزمزميات) بالمشاركة خلال موسم الحج، في العديد من المجالات التي تعني بتقديم الخدمة منذ عام 1430ه، وكان من أجلها وأعظمها شرفًا، زيارة (ضيوف الرحمن) من الحاجّات المنومات على الأسرة البيضاء بالمستشفيات الحكومية داخل حدود (مكة المكرمة)، وبشكل دوري طوال موسم الحج؛ لتقديم ماء زمزم لهن في عبوات بلاستيكية ذات السعات المختلفة والهدايا المصاحبة لذلك؛ راجين من المولى الشفاء لهن ببركة هذا الماء المبارك (ماء زمزم).