اختتم الفنان والناقد التشكيلي جلال الطالب، إحدى مقالاته في صحيفة محلية بسؤالٍ وجَّهه إلى الفنانين التشكيليين حول غياب المرأة عن لوحاتهم، حيث اختتم مقالته بالقول: "يبقى السؤال يدور في دائرة المدار: أين الفنانون السعوديون الرواد من المرأة سواء أكانت والدته التي ربَّته، وقامت على تعليمه حتى أصبح فناناً، يشار إليه بالبنان، أو زوجته التي تقوم على راحته، لينتج منجزاته التشكيلية، أو جمالها، أو حتى قضاياها المختلفة في مجتمعنا؟!".
"سيدتي" وللتعرف أكثر إلى مضمون تلك الدعوة التي وجهها الفنان والناقد التشكيلي جلال الطالب للفنانين التشكيليين وأهمية المرأة وقضاياها في الفن التشكيلي التقت به في هذه السطور:
حيث يقول متعجباً: "أتعجب من الابتعاد عن جزء أساسي من حياتنا، ونصف المجتمع والحياة: المرأة، التي تعد عند بعضهم الحياة بأسرها! إذ كيف لا يكون لها حيز من ذاكرة التشكيليين الرواد؟".
وأردف: "أرى أن أهمية المرأة تكمن في أنها كيانٌ، نزل من الجنة إلى الأرض، وهذه قناعة تامة بالنسبة إلي، فهي نصف الحياة، ورمز الجمال، فإذا ذُكِرَ الجمال ذُكرت المرأة، وإذا ذُكرت المرأة، ذُكِرَ الجمال، وقد كتب هذه المقالة للتساؤل عن غياب رمزية عنصر المرأة عن لوحات الفنانين الرواد السعوديين، باستثناء القلة القليلة، بالمقارنة مع الفنانين العالميين، أمثال بيكاسو، وسلفادور دالي، والعربي إسماعيل شموط، الذين جسَّدوا المرأة بوصفها محوراً أساسياً في أعمالهم التشكيلية".
وقد بدأ الطالب مقالته بـ "دائماً ما يبحث الفنان عن الجمال، ولب الحقيقة، فهما الملهم والغاية المنشودة له، حيث المنجز التشكيلي يرتكز عليهما، وحين يأتي بذكر الجمال، تُحضر الذاكرة الذهنية المرأة بكل تقاسيمها، فمنذ الأزل نجد الشعراء والأدباء والفنانين يتغنون بها، لكونها رمزاً للجمال دون منازع، فالكثير من الفنانين تكون محور لوحاتهم، أو منحوتاتهم المرأة بتقاسيم جسدها وجمال وجهها الطبيعي".
وأكمل: "والكثير منهم أيضاً رسموها بشكل تشويهي بحثاً عن فلسفة عمق الحقيقة التي تُدخل الرأي في حالة الصدمة البصرية، ونستشهد بالفنان بيكاسو أشهر فناني المدرسة التكعيبية بلوحته المرأة الباكية. يقال إنها تجسيد لزوجته دورا التي اقترن بها، وأنجبت له ولدين وكان لها دور أساسي في تبدُّل اهتماماته الفكرية والسياسية، فيما بعد يقول بيكاسو: رسمتها بأشكال عديدة مشوَّهة لكن ليس من باب السادية، أو المتعة، لم أستطع إلا تجسيد الصورة التي حفرت في مخيلتي، وكان هذا الحزن الحقيقة الكامنة في الأعماق".
وأضاف الطالب: "وحين نهيم بعالم الفنان سلفادور دالي، ملك السريالية، ومفهوم المرأة في لوحاته، نجده عشق زوجته جالا حتى الثمالة، ولم يتوقف هنا، بل ارتقى بها إلى مراتب عليا من السمو البشري برسمه لوحة صعود العذراء، التي تُمثِّل السيدة العذراء وهي ترتفع إلى السماء، واختار وجه جالا ليكون وجه العذراء حتى اقترنت بجميع أعماله. يقول دالي: لا تخلو لوحة من لوحاتي إلا وتلمح عين جالا أو وجهها الجميل".
ولم يجهل الطالب حق الرسامين جميعاً، وذكر الفنان العربي إسماعيل شموط، قائلاً: "أما الفنان العربي إسماعيل شموط، فهو من أشهر فناني الواقعية التعبيرية، فقد جسَّد المرأة بالأرض المعطاء في لوحته حالة عشق، حيث رسمها بأجمل صورها الأنثوية امرأة عربية ذات عينين واسعتين، تتخلل شعرها المسود أغصان شجرة الزيتون، لتوحي للرائي بأنها إنسانة صلبة، محفِّزة للحياة والنضال، وهذا الهاجس الجدلي الذي أراد شموط أن يخلِّص عقولنا منه، ومعتقداتنا، أنها إنسانة ضعيفة، ومن حيث يعلم أو لا يعلم شموط، كانت المرأة هي المحرض للجمال الفني والفلسفي في لوحاته".
وجاءت المقالة تحفيزاً من الطالب للرسامين على رسم المرأة لتأخذ مكانها الطبيعي في أعمالهم، خاصة الجيل الجديد، حيث إن نمطية التفكير الاجتماعية قد تجاوزت كثيراً من العادات الاجتماعية التي كانت ومازالت نوعاً ما تعيق خيال الإبداع.