حجابي كان قراراً رمضانياً

كثير من الذِّكريات التي تملأ قلوب أسرنا العربيَّة في رمضان، بعضها مؤلم، وبعضها يمدُّ بالأمل، ولكنَّها مهما آلمتهم، فإنَّ السماء التي تستقبل الدُّعاء، والقلوب التي يملؤها الصَّفاء حول مائدة واحدة، وكل العادات التي ينفرد بها هذا الشَّهر الكريم، تغلّف الأمكنة بالرَّحمة والمحبَّة لتجمع من تفرَّقوا، وتفرج أحزان آخرين، وتكون بدايات جديدة لأنماط حياة أفضل، وأمور تقرِّبنا إلى الله أكثر.

«رولا» تحكي لنا قصَّة ارتدائها لحجابها في رمضان، وموقف زوجها من الموضوع، وتأثير هذا القرار على حياتها في ما يلي.

قبل رمضان الماضي بعام، كنت أفكِّر بيني وبين نفسي بالحجاب، وكنت خلالها لا أشتري إلا الملابس المحتشمة، ولم أخبر زوجي بالأمر، ولا أيّ فرد من عائلتي، وما إن مضى عام حتى تغيَّرت ملابس خزانتي، وأصبحت أقرب لشخصيَّتي التي نويت بهداية من الله أن أكوِّنها.
وقبل رمضان بأسبوعين، أخبرت صديقتي بنيَّتي، فذهبت معي إلى السوق، وابتعت مجموعة من الأحجبة التي تتناسب مع ملابسي، وعندما عدنا للبيت علَّمتني كيفيَّة وضعها، ولم نشعر بالوقت وهو يمضي لساعتين، وأنا أنظر إلى نفسي بفرح عندما كنت أجرِّب كل حجاب.

*موقف الزَّوج
عن انطباعات وموقف زوجها من القرار تقول: «من عادتنا أن نفطر في اليوم الأول من رمضان في بيت جدي، حيث يجتمع أخوالي وزوجاتهم، وخالاتي وأزواجهنّ، وكل الأبناء، فيتجاوز عددنا الستين، وقبل أن نخرج من البيت، طلبت منه أن يذهب لشراء حلوى رمضانيَّة نأخذها معنا لبيت جدي، أذكر تماماً أنني انتهزت فرصة خروجه، واخترت تنورة سوداء طويلة، وبلوزة بيضاء عليها بعض الزُّهور المطرَّزة باللون البيج، أمَّا حجابي فكان أبيضَ موشحاً بألوان البيج، وعندما عاد يستعجلني، فوجئ بي وجلس على الكنبة صامتاً وهو يبتسم والفرحة تشعُّ من عينيّه، وقال: «لائق عليك...أنت هكذا المرأة الجميلة التي أريدها»، وأوضح لي أنَّه كان يتمنَّى أن يراني محجَّبة، لكنَّه ترك الأمر لإرادتي ورغبتي».

وتضيف: «في ذلك الوقت لم يكن متديناً جداً، لكنَّه بعد أن تحجبت أصبح يواظب على أوقات صلاته، وأدَّى فريضة الحج، وقد وعدني بأن يأخذني معه في المرَّة القادمة، فهو زوج مثاليّ؛ لأنَّه ترك لي حرية الاختيار، ولم يفرض عليّ رأيه أبداً، في كل ما يتعلَّق بحياتي، حتى عندما قررت ارتداء الحجاب، لم يُبدِ رأيه أبداً، فلم يرفض ولم يوافق، لكنَّه عندما رآني به لأول مرَّة لم يستطِع أن يُخفي فرحته وبهجته، وشجَّعني من خلال شراء عدَّة أحجبة رائعة لي».

*موقف الأهل
وبخصوص موقف الأهل تجاه ارتدائها الحجاب تقول «رولا»: «مجرَّد دخولي من باب بيت جدي، سمعت صيحات الفرح والضَّحك، وبدأت كل نسوة أقاربي بتقبيلي والمباركة لي، ولا أنسى السَّعادة على وجهيْ أمي وجدتي رغم أنَّ أمي كانت تضع الحجاب وتخلعه؛ لأنَّها تزوَّجت بعد والدي، واغتربت في أمريكا قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكان زوجها الثاني يجبرها على خلعه، فقد كان متزوجاً من امرأة أميركيَّة قبل والدتي، وقد عانت كثيراً من الأمر حتى فرضت قرارها، وهو الآن ملتزم ولا يترك فرضاً بفضل الله».

*تحدٍّ قوي
وتكمل الحديث قائلةً: «لامني أحد أقربائي على ارتدائي للحجاب، وقال لي: «مازلت صغيرة، وأعتقد أنَّك تأثرت بالأجواء الدينيَّة في رمضان، وستخلعينه بعد ذلك، خصوصاً عندما يأتي الصيف، وتشعرين بأنَّه يزيدك اختناقاً»، لكنني لم أنزعج، واعتبرت الأمر تحدياً وتشجيعاً أكبر لي؛ لأنني نويت والحمد لله، والمفاجأة الثانية عندما ذهبنا في اليوم التالي لزيارة والدة زوجي، حيث فوجئ الجميع وسعدوا أكثر بزوجي الذي كان يردد دائماً: «زوجتي ارتدت الحجاب.. باركوا لها»، كما أنني لا أنسى هدية زوجة عمي عندما ذهبنا للإفطار عندهم، وهي عبارة عن حجاب جميل لازلت أفضِّل ارتداءه حتى الآن».

*حياة أفضل
لم تكن «رولا» تصدِّق من قبل أنَّ الالتزام بتعاليم الدين يزيد حياة الإنسان بركة، وقالت: «عمَّ علينا الخير كلَّه، حيث أصبح عمل زوجي أفضل، والصحَّة فوق رؤوسنا، ولم يعد لي رغبة لسماع أيّ مشاحنة أو نميمة، وأصبح قلبي أبيضَ، وعندما أرى الفتيات الصغيرات غير محجبات، لا أعظهنَّ كي يضعنه غير مقتنعات، ولكنني أردد على مسامعهن: كنت هكذا في سنكنَّ مترددة، ولكن عندما يشاء الله يحصل».
 

اقرئي المزيد من المواضيع في رمضانيات