لم يعد الحديث عن عمل المرأة غريباً أو غير مستساغ، ولم تعد رؤيتها كموظَّفة تثير استهجان الكثيرين، فقد أصبح المشهد اعتيادياً، ووفَّر نوعيَّة جديدة من الأجواء التي استساغتها مجموعة من الزبونات اللواتي شعرن براحة أكبر عندما تعاملن مع موظَّفات سيِّدات، خاصَّة في المحلات والمؤسسات التي تُعنى بشكل مباشر بالتَّعامل مع المرأة.
على الرُّغم من وجود انتقاد لهذا العمل، إلا أنَّنا لا نستطيع أن ننكر أنَّ هناك مزايا عادت على جميع الأطراف سواءً العاملة أو العميلة واستفدن منها، فالأولى بدأت بتحقيق ذاتها وشخصيَّتها، ووجدت أجواءً تسمح لها بالعمل من دون الحاجة للاختلاط مع الاستفادة الماديَّة، أمَّا الثانية فقد توفَّرت لها الأجواء التي تمكِّنها من التسوُّق بلا حرج أو اضطرار للاختلاط، حتى لو كان هذا الاختلاط عند دفع الحساب فقط.
أصبحت المرأة اليوم تحتل مهنة المعلِّمة، ومهنة الطبيبة، ومهناً أخرى قليلة ومحدودة جداً، لكنَّها اليوم المعلِّمة والطبيبة والمهندسة والمدربة والبائعة والكاشيرة والنادلة أيضاً، وكلُّها مهن مارستها المرأة مؤخراً من دون أن تؤثِّر بشكل من الأشكال على أنوثتها وخصوصيتها.
«سيِّدتي نت» التقت مجموعة من السيِّدات السعوديَّات العاملات في بعض المهن التي لم تكن في السَّابق مستساغة لعمل المرأة بها؛ ليروين لنا أهم ما مررن به، ويتحدَّثن عن هذه التجربة الجديدة.
*كاشيرات
تقول «أروى» التي عملت منذ أشهر قليلة بمهنة كاشيرة في محل كبير ومعروف في أحد المولات الضَّخمة بالرياض: «لم أظن يوماً أنني سأعمل بهذه المهنة، وربَّما أستطيع القول بأنني لم أظن يوماً أنني سأعمل أساساً، فعمل المرأة في السَّابق اقتصر على مهن محددة، كالمعلِّمة مثلاً، وهي مهن للأسف يستوجب العمل فيها أن يكون لدى الشَّخص تحصيل علميّ مرتفع يتناسب مع هذه الوظيفة، وهو للأسف ما لم أستطع الحصول عليه، لكن بعد السَّماح للمرأة بالعمل بمهنة الكاشيرة، شعرت بأنَّ الفرصة ربما حانت، وأنَّ لديَّ رغبةً قويَّة لخوض هذه التجربة، وفعلاً بدأت ووجدت ترحيباً كبيراً من عائلتي، خاصَّة عندما تأكَّدوا أنَّ عملي سيكون محصوراً على التَّعامل مع النِّساء، وأنني لن أتخلى بحال من الأحوال أو أنتقص من عاداتنا وتقاليدنا.
بطبيعة الحال وكأي شيء جديد فقد عانينا بالبداية قليلاً، وشعرنا بعدم تقبُّل بعض الزبائن لنا، كنا نسمع هذا الانتقاد بآذاننا، ولكن مع مرور الوقت، أصبح وجودنا مظهراً اعتيادياً غير منتقد، كما أنني في كثير من الأحيان أجد أنَّ السيِّدات اللواتي يتجهن «لكاونتر» الحساب الخاص بنا أكثر من اللواتي يتجهن «لكاونتر» الرِّجال.
*بائعات
أمَّا «أسماء» وهي بائعة في محل تجاريّ للملابس النسائيَّة، فتقول: «شعرت في البداية بأنني لا أستطيع أن أكمل عملي، فقد كان إحساسي في اليوم الأول بأنَّ كل من يأتي للمحل هو آتٍ لمشاهدتي فقط، وأوشكت أن أترك الوظيفة والعودة لبيتي وعائلتي من شدَّة الخجل، لولا نصائح زميلاتي اللاتي سبقنني في هذا المجال، واللاتي أكَّدن لي أنَّ ما يحدث لي أمر طبيعيّ، وأنهنَّ جميعاً تقريباً مررن به، وأنَّه سيزول بإذن الله مع الوقت، وهذا ما حدث فعلاً.
وظيفتي اليوم ممتعة جداً بالنِّسبة لي، ومشكلتها الوحيدة هي طول مدَّة الدَّوام التي تهوِّنها عليّ زميلاتي في العمل، فنحن نعمل سوياً كأسرة واحدة وكشقيقات، واستطعت بطبيعة الحال أن أوفِّر لنفسي دخلاً جيداً أساعد به أسرتي من دون المساس بتقاليد مجتمعي».
*نادلات
تقول «الجوري» وهي نادلة في إحدى صالات الأفراح: «لاقيت في البداية معارضة شديدة من أسرتي، خاصَّة من والدتي التي رضخت في النِّهاية لرغبتي في العمل كنادلة في صالة أفراح، ظنًا منها أنني سأستسلم قريباً، وأنني لن أحتمل العمل والاستمرار في هذه الوظيفة، ولكن ما حدث هو العكس، فالعمل كنادلة جعلني أرى جوانب لم أكن أراها من قبل؛ ما جعلني أحب هذه المهنة، وانتقل هذا الحب شيئاً فشيئاً لوالدتي وأسرتي التي شعرت بتغيُّر كبير طرأ على شخصيَّتي وسلوكي، فأصبحت شخصيَّة تشعر بالمسؤوليَّة وتتحمَّلها بكل أنواعها، كما اختلفت وجهة نظر أسرتي وخاصَّة والدتي عن عملي ليس فقط لأنني أحظى بدخل ماديّ جيِّد، ولكن لأنني أعمل من دون أن تتأثَّر واجباتي الأسريَّة بأيّ شكل من الأشكال».
*رأي اقتصادي
تمثَّل رأي سيِّدة الأعمال وعضو لجنة سيِّدات الأعمال في فرع السيِّدات في الغرفة التجاريَّة الصناعيَّة في الرياض «ريم الرشيد» بقولها: «أنا مع عمل المرأة من حيث المبدأ، وأشجِّعه جداً، وعلى استعداد دائماً للمساندة والمساعدة لتحقيق ذلك، ولكنني في الوقت نفسه ضدّ عملها كاشيرة أو بائعة، وأرى أنَّ هذه النَّوع من الأعمال ما هو إلا اضطهاد للمرأة؛ بسبب ساعات العمل التي تضطرها للبقاء في محل عملها حتى العاشرة مساءً».